صحة

اسماعيل سكرية لـ “أحوال”: نقباء الصيادلة متواطؤن مع شركات الأدوية

 الدواء مادة أساسية في حياة المواطن، وبالرغم من ذلك مازال البعض في لبنان يتعامل مع هذا الموضوع باعتباره سلعة مغرية مادياً فقط لاغير. وهناك الكثير من الأخبار غير السارة يتم يتدوالها حول السوق اللبناني للدواء،  أبرزها غياب أيّة ضوابط علمية او إدارية في التعامل مع هذا القطاع، ووجود الكثير من الأدوية المغشوشة والمهرّبة في السوق. أضف الى ذلك الارتفاع الكبير في سعر الدواء بسبب احتكاره من قبل مجموعة من الشركات التي تتحكم باستيراده من الخارج، والتي تشكل أخطبوطا ذات أذرع سياسية وطائفية ومالية ضخمة.

بالرغم من ذلك ظهرت عدة محاولات لقيام سياسة “الإصلاح الدوائي”، كان أهمها محاولة وزير الصحة في حكومة الرئيس صائب سلام عام 1971 اميل بيطار، والذي أدّى مشروعه لتخفيض سعر الدواء في لبنان الى تطييره من الحكومة، بعد أن وقفت بوجهه قوى سياسية وطائفية عدة بدعم ” كارتيل الدواء في لبنان. وبعد محاولة الدكتور اميل بيطار جرت محاولة أخرى، فكان صدور القانون ” 5/83 عام 1983، والذي نصّ على إنشاء المكتب الوطني للدواء، ولكن هذ القانون ما لبث أن تعرّض  لضربة فساد قاسية أدخلته في غيبوبة طويلة؛ وهو ما يزال ينتظر إنعاشه حتى اليوم. أسباب هذه الحرب على صحة المواطن وخلفياتها حملناها الى النائب السابق الدكتور اسماعيل سكرية المتابع الحثيث لهذا الملف منذ زمن، والذي كشف لنا بعض الجوانب المظلمة في هذا الملف.

يلفت اسماعيل سكرية في بداية حديثه لموقع “أحوال” أنّ موضوع اصلاح قطاع الدواء في لبنان هو موضوع قديم، و”كل المحاولات التي جرت لإصلاحه منذ الاستقلال وحتى اليوم كان نصيبها الفشل. وأبرز تلك المحاولات هي محاولتان: الأولى جرت عام 1971عندما حاول وزير الصحة في حكومة الرئيس صائب سلام الدكتور” اميل بيطار” مواجهة مافيات الدواء وتخفيض سعر الدواء فكان نصيبه التطيير من الحكومة. أمّا المحاولة الثانية، فتمثلت بمحاولة تتفعيل المكتب الوطني للدواء، والذي يخضع لرقابة ديوان المحاسبة المؤخرة. ففي العام 1994 جرى إنشاء هيكلية إدارية لهذا المكتب، وتم صرف الأموال اللازمة لذلك، ولكن بالرغم من ذلك بقي هذا المشروع حبراًعلى ورق، وذلك حتى العام 1998عندما صدر قرار بتعييين مدير للمكتب الوطني للدواء.” ويتابع سكرية “إلا أنّ التفاؤل بهذا المكتب لم يدم طويلا، فسرعان ما تم تفريغ المشروع من مضمونه، وذلك عندما جرى تعيين رئيس مجلس إدارة للمكتب الوطني للدواء هو نفسه مدير المكتب، مما شكل مخالفة قانونية كبيرة. اذ كيف يمكن لمن هو مسؤول عن الصفقة أن يكون في نفس الوقت مسؤولا عن النفقة؟ خاصة اذا ما عرفنا أنّ حجم الأموال المخصصة لشراء الدواء من الخارج هي أموال طائلة. ” ويؤكد اسماعيل سكرية أنّه في الحالة هذه يجب على الأشخاص الذين يتم اختيارهم لهذه المسؤولية أن يرتقوا في نزاهتهم وتجردهم الى مرتبة الأنبياء والقديسين وهذا أمر نادر الوجود.

ويتابع سكرية حديثة قائلا:” بالرغم من كل ذلك انطلق المكتب في عمله عام 1998، وتم وضع مبلع عشرة مليارات ليرة تحت تصرف مدير المكتب لشراء الدواء، (علماً أنّ مدير المكتب هو رئيس لمجلس الإدارة في نفس الوقت). ولم يكد يمض بضعة أشهر على انطلاقة المكتب حتى تفجرت بوجهه فضيحة كبرى، اذ تم اكتشاف أنّ كل الصفقات لشراء الأدوية لحساب المكتب الوطني للدواء، والتي كان يسافر مدير المكتب من أجلها الى الخارج، كانت تتم برعاية شركات كبرى لتصنيع الدواء، والتي هي  متضرّرة من إنشاء المكتب الوطني للدواء.  ويقول سكرية “بعد افتضاح أمر المدير المذكور جرى محاكمته وحكم عليه بالسجن، ليتوقف بعد ذلك عمل المكتب الوطني للدواء، والذي مازال متوقفاً حتى الآن.”

وبحسب النائب سكرية، مهمة المكتب الوطني للدواء لا تقتصر فقط على استيراد الأدوية لحساب الدولة اللبنانية وبيعها الى المواطن بأسعار مخفضة ، بل له دور أهم من ذلك بكثير، “وهو توعية الناس وارشادها حول كيفية التعاطي مع موضوع الدواء.” في هذا المجال يرفض اسماعيل سكرية إدعاءات وزارة الصحة بأنّها قامت بتخفيض سعر الأدوية في لبنان ويقول:” إنّ الأدوية التي تم تخفيض أسعارها هي الأدوية الأقل تداولاً والأرخص سعراً. أمّا الأدوية الأكثر استعمالاً كأدوية القلب والأعصاب والضغط والكلى فإنّ أسعارها مازلت مرتفعة، ولم تجر أي محاولة لتخفيض سعرها.” ويضيف، “وأكثر من ذلك هناك أصناف من الأدوية اختفت من الأسواق بعد تخفيض سعرها لتعود بعد ذلك بأسعار أكثر ارتفاعاً من السابق ويضيف: “ثمانون بالمئة من أسعار الأدوية مازالت غالية الثمن”.

أمر آخر يكشف عنه سكرية لا يقل أهمية عن موضوع إفشال المكتب الوطني للدواء، وهو عدم وجود مختبر في لبنان لفحص الأدوية أسوة بكل دول العالم، والذي سيؤدي إنشاءه الى تطهير السوق اللبنانية من كمية كبيرة من الأدوية التي لاحاجة لها، والمسحوبة من التدوال من السوق العالمي للدواء. وعن الأسباب التي تمنع قيام هذا المختبر يقول سكرية:” إنّ إنشاء المختبر المركزي لفحص الدواء هو مثله مثل إنشاء المكتب الوطني للدواء من حيث التهديد لمصالح مافيا الدواء، والتي خصصت عشرات ملايين الدولارت لمحاربة قيام تجربة سياسة دوائية ناجحة في لبنان، وذلك بالتعاون مع قوى سياسية وطائفية، خوفاً على سياستها الاحتكارية لسوق الدواء. وليس سراً القول إنّ معظم الزعامات السياسية والطائفية في لبنان تخوض معاركها الانتخابية بتمويل شركات الادوية”. وعن دور نقابة الصيادلة في محاربة فوضى الدواء في لبنان، يتهم سكرية كل نقباء الصيادلة الذين تعاقبوا على النقابة بأنّهم كانوا متواطئين مع شركات الأدوية، وكيف لا يكونون كذلك ومعظمهم يملك شركات أدوية خاصة به أو هم شركاء في شركة أدوية أو أكثر.

نبيل المقدم

نبيل المقدم

كاتب وصحافي وباحث سياسي لبناني. صدر له العديد من المقالات والمؤلفات ابرزها "وجوه واسرار من الحرب اللبنانية".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى