منوعات

بعد فورة 2020 الجمود يضرب القطاع العقاري

ارتدّت تداعيات الأزمة الاقتصاديّة بصورة عكسيّة على السّوق العقاري؛ فبعد أن سقطت معظم القطاعات، استطاع القطاع العقاري أن يصمد أمام التّحديات، حيث ارتفعت عمليات شراء العقارات بشكل واضح خلال العام 2020، ووصل عددها الى 81 ألفاً و429 صفقة عقارية، أي بزيادة 62% عن عام 2019. أما مجموع قيمة تلك الصفقات، فبلغ 14 مليوناً و126 ألف دولار، أي بزيادة 107 % عن عام 2019. هذا، وبلغ متوسط قيمة  الصّفقات العقاريّة 178 ألفاً و201 دولار، أي بزيادة 35.6% عن عام 2019. فهل يحافظ القطاع على نشاطه في 2021؟

جمود القطاع العقاري

نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين وليد موسى يوضح لـ “أحوال”، أنّه في العام 2020 تهافت المودعون على شراء العقارات، وذلك بهدف إخراج أموالهم من المصارف والمحافظة على قيمتها، بعد أن وجدوا في العقارات ملاذاً آمناً.

أمّا خلال العام 2021، فيستبعد موسى استمرار الطّفرة العقاريّة قائلاً: بالنّسبة للبيوعات العقارية دخلنا مرحلة الجمود. اليوم من لديه وحدات سكنيّة فارغة لن يبيعها مقابل شيك مصرفي كما جرت العادة سابقاً، بل سيطلب الدّفع نقداً بالدّولار؛ وهو أمر غير متاح للجميع في ظلّ الأزمة النّقديّة وشحّ الدّولار، ما سيؤدي إلى جمود السّوق العقاري في المرحلة المقبلة.

تحدّيات بالجملة تطال الإيجارات

على ما يبدو أن التّحديات بدأت  تواجه القطاع العقاري من حيث لا يدري.  فإلى جانب الجمود الذي سيشهده، ها هو اليوم يعاني أزمة انهيار بدلات الإيجار، وفسخ العقود والخلافات القانونيّة، وما يرافقها من أزمات اجتماعية ترمي بثقلها على المالكين والمستأجرين، الأمر الذي خلق بلبلة في أوساط الفئتين حول زيادة الإيجارات. فهل نشهد زيادات في قيمة الإيجارات قريباَ؟

تلقى “أحوال” شكاوى بعض المواطنين الذين طُلب منهم زيادة بدلات الايجار رغم أنهم مستأجرين وفقاً لعقود الإيجار القديمة؛ فيما طُلب من المستأجرين بعقود جديدة التسديد نقداً بالدّولار، بحسب معلومات “أحوال”.

وفي هذا السّياق، يقول جهاد (مستأجر قديم) إنّه يدفع 75 ألف ليرة إيجار منزله، في حين طلب منه المالك أن يحتسب قيمة المبلغ بالدولار على 1500 ليرة، أي ما يعادل 50 دولار، على أن يتم الدّفع بالدولار نقداً.

أما حسين (مستأجر جديد)، فاستأجر منزله منذ سنة مقابل 500 دولار شهرياً، واليوم يطلب منه المالك الدّفع بالدّولار، أو إخلاء المنزل.

لا قرار قانوني

رئيس لجنة المستأجرين في بيروت وجيه الدامرجي يؤكد لـ “أحوال”، أنه بالنّسة لعقود الإيجار القديمة، لا زيادة على بدلات الإيجار في الوقت الحالي، إلّا في حال أصدر مجلس النّواب قانوناً ينصّ على ذلك، وإعلانه في الجريدة الرّسميّة.

أما بالنسبة للعقود الحديثة المحدّدة بفترة زمنية معيّنة، فلا يمكن إجبار المستأجر على دفع أي زيادة قبل انتهاء المدّة.

ويتابع، في حال تمنّع المالك عن استلام الإيجار باللّيرة اللّبنانيّة، وعلى أساس سعر الصّرف الرّسمي، المحدّد ما بين 1507 و1515 ل.ل، يحقّ للمستأجر التّوجه لدى كاتب العدل، لإعلام المالك رفضه بالطّرق القانونيّة.

وعن العقود الجديدة التي تتمّ بين المالك والمستأجر، والتي تُدفع إمّا الدّولار نقداً، أو بحسب سعر الصّرف على المنصّة الإلكترونيّة، يُوضح أنّ هذه العقود تتمّ بالاتفاق والتّراضي بين الطّرفين. ولكن لا أحد يستطيع إجبار المستأجر على ذلك في الوقت الراهن، خصوصاً وأنّه لا يستطيع تحمل أعباء اضافيّة، بعد تراجع قدرته الشرائيّة وتآكل قيمة دخله.

ويضيف الدّامرجي، الكثير من المستأجرين اليوم خصوصاً المستثمرين، لم يعد باستطاعتهم تحمّل دفع بدلات الإيجار، في ظلّ الأزمتين الماليّة والاقتصاديّة التي يمر بهما لبنان، ما دفعهم إلى فسخ العقود، في حين نرى توجه بعض العائلات للعيش في منازلها في القرى أو الاتّجاه نحو ضواحي المدينة.

تمديد تلقائي

ويلفت رئيس لجنة المستأجرين في بيروت إلى اقتراح قانون في مجلس النّواب، لتمديد فترة الاستثمار تلقائياً لمدة ثلاث سنوات، لكل مستثمر تأثّر بالأزمات المتتالية التي ضربت لبنان. ويناشد الدّولة تقديم حلول لا تدخل الفئتين بنزاع، بل تمنح المالك مقوّمات أو حوافز ليتمكن من هذه تمرير المرحلة.

اتفاق حبّي؟

في المقابل، تلفت مصادر من نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة، أنّ غالباً ما يكون المالك الضّحية الأولى نتيجة الأزمات الماليّة والاقتصاديّة، لذلك الالتزام الأخلاقي بين المواطنين، مالكين ومستأجرين، لضمان حقوق الفئتين، أمر في غاية الأهميّة.

وتشير المصادر إلى أنّ مصلحة الطّرفين تقضي بأن يبادرا إلى الاتفاق حبياً وبالتراضي، على بدلات الإيجار وفق قيمتها الفعليّة الرائجة، ووفق التّطورات النّقديّة، سواء بالعملة اللّبنانية أو بالدّولار.

ودعت المصادر إلى المحافظة على العلاقة بين المالك والمستأجر، بما يضمن استمرارها بعد تخطي الأزمة، وبما يضمن إقامة المستأجرين في المنازل، واستثمار الأقسام غير السّكنية ضمن قواعد الحق والعدالة، وإلّا فمن مصلحة المالكين إخلاء هذه المنازل وعدم تأجيرها وتكبد خسائر إضافيّة مرّة جديدة.

رأي قانوني

قانونياً، يوضح المحامي زكريا الغول أنّ عقود إيجار الأماكن غير السّكنية الخاضعة للقانون رقم 160/92، وتحديداً المادة 33 التي نصّت على عدم تطبيق الزّيادة على الأماكن غير السّكنية، المحدّدة بعملة أجنبيّة (المنصوص عنها في المادة 13 من القانون أعلاه)، لا تسمح بزيادة على إيجارات.

ويتابع، هذا الأمر يختلف في حال قانون الإيجارات الجديد المتعلّق بالأماكن السّكنية. فلا نصّ مماثل للنّص الوارد في القانون رقم 160/92. من هنا، تبرز معضلة بدلات الإيجار المحددة بالعملة الأجنبيّة؛ وفي هذه الحال، يمكن للمستأجر تسديد بدل الإيجار بالعملة الوطنيّة، وفقاً لسعر الصّرف الرّسمي الصادر عن مصرف لبنان، وفقاً لقانون النّقد والتّسليف، الذي حدّد الإيفاء بالعملة الوطنيّة، ووفقاً للسّعر الرسمي. كما يمكن للمستأجر التّسديد عبر شيك بالعملة الوطنيّة أو بالدّولار الأميركي.

ويردف الغول، يمكن لكل من طرفي العقد (المؤجر والمستأجر) الاتّفاق على طرق تسديد بدل الإيجار، وفقاً لما نصّ عليه قانون الموجبات والعقود. أما عند حصول نزاع حول التّسديد، فالحسم يتم عبر القضاء، مع الإشارة الى أنّه لا يمكن للقضاء تعديل أو تحديد سعر صرف غير سعر الصرف الرّسمي.

كما لا يمكن للمؤجّر أن يستوفي بدل الإيجار وفقاً لسعر المنصّة الصادر عبر تعاميم مصرف لبنان، كون ذلك التّعميم يتعلّق حصراً بالسّحوبات النّقدية بالعملة الوطنيّة، على أساس سعر محدّد لمدّة زمنيّة محدّدة.

أما فيما يتعلّق بإستيفاء بدل الإيجار وفقاً لسعر السّوق، فهذا مخالف للقانون، خصوصاً مع عدم ثبات سعر السّوق وإستمرار تقلّبه.

كما تبرز معضلة قيمة بدلات الإيجارات الموقعة حديثاً، أي بعد الأزمة، ومع صعوبة تحديد قيمة بدل الإيجار نظراً لإنخفاض قيمة العملة الوطنيّة، فإنّ الأمر هنا يخضع  لإتفاق طرفي العقد.

هذا فضلاً عن أزمة جديدة بدأت تطل برأسها، وهي متعلّقة بمصير عقود الإيجار المرتبطة بقانون الإيجارات الجديد الصادر في العام 2014، خصوصاً بعد أن سلك مساره القانونيّ والقضائيّ، فيما محور الأزمة القادمة هو مسألة الصندوق الذي يحتاج إلى تمويل وأموال، فضلاً عن تدني قيمة التعّويضات التي ستُدفع.

العلاقة التعاقديّة بين المالك والمستأجر، هي إحدى مظاهر أزمات لبنان التي تتكاثر كالفطر، وهي تتطلب تضحيات متبادلة بين طرفي العقد، كما على القضاء مسؤوليّة إصدار أحكام عادلة حين تُعرض أمامه ملفات مرتبطة بعقود الإيجارات، بحسب الغول.

ناديا الحلاق

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى