منوعات

هل تنتقل باريس من هز العصا الى استعمالها؟

ليست المرة الاولى التي يتخلى فيها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عن القفازات الدبلوماسية في معرض تطرقه الى المأزق الحكومي في لبنان، لكن الجديد هو انه أبلغ الى نظرائه الأوروبيين والدوليين، بأن الوقت حان لزيادة الضغط بعد التعطيل المستمر منذ 7 أشهر. فهل يعكس هذا التنبيه نية حقيقية في معاقبة المتهمين بالتعطيل ما لم تتشكل الحكومة قريبا؟
بينما تكاد “تايتانيك” اللبنانية تغرق، كما حذر الرئيس نبيه بري، ينشغل طاقم السفينة بنزاعات حادة على متنها، بدل تصويب وجهتها او استخدام قوارب النجاة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
وامام انسداد شرايين الحلول الداخلية واخفاق المحاولات المحلية لتشكيل الحكومة، ظهر من جديد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على مسرح الازمة، ملوحا بزيادة الضغط على المسؤولين اللبنانيين.
وليس معلوما ما اذا كان التهديد الفرنسي سينفع هذه المرة في تليين المواقف وتخفيض سقف الشروط، ام ان المعنيين بتاليف الحكومة لن يأخذوه على محمل الجد وسيواصلون مغامرة اللعب على حافة الهاوية.
ومن الواضح ان المبادرة الفرنسية كانت قد فقدت بعضا من هيبتها وثقلها، جراء استهلاك جانب من زخمها ورصيدها في الازقة السياسية، بحيث ان تأثيرها العملي على اللاعبين المحليين تراجع مع مرور الوقت، وكأن هؤلاء ما عادوا يتهيبون الدور الفرنسي ولا يعملون له حسابا، خصوصا انه بدا في احيان كثيرة من دون “أظافر” وفعالية، على الرغم من التدخل الشخصي والمتكرر للرئيس مانويل ماكرون في الملف اللبناني، وبالتالي فإن التحذير الاخير والصريح الذي أطلقه لودريان قد لا يترك تأثيرا او صدى حقيقيا في “أودية” المأزق الحكومي السحيفة، في حال افترض المعنيون به انه يشبه سواه من “القنابل الصوتية.”
والسؤال المطروح هنا هو: هل ان باريس جادة في الانذار الذي وجهته عبر التلويح بعقوبات منسقة مع الاوروبيين اذا استمر التعطيل ام انه انذار معنوي لا مفاعيل تطبيقية له؟
تشعر باريس ان مبادرتها تنتقل منذ فترة من تراجع الى آخر، فهي انطلقت اساسا على قاعدة تشكيل حكومة مهمة من اختصاصيين مستقلين لستة اشهر، فإذا بها “تتحور” ليصبح النقاش حول حكومة اختصاصيين تحمل نكهة سياسية وتسمي القوى الداخلية وزراءها، ومرشحة للبقاء حتى نهاية العهد.
أدرك الفرنسيون ان مبادرتهم “تلبننتت”، وانه لم يكن هناك مفر من التكيف مع خصوصيات الواقع الداخلي للخروج بحد أدنى من النجاح بدل الفشل الكامل، لكن ومع ذلك، لم يتمكنوا من الدفع في اتجاه ولادة الحكومة التي هي ممر الزامي لتنفيذ مندرجات المبادرة.
دخل ماكرون بنفسه على الخط في مناسبات عدة لتفعيل الدور الفرنسي وتزخيم الضغط على القيادات السياسية الا انه لم يفلح، حتى كاد يخسر هالته وصدقيته. هذه المرة، أنيطت مهمة زيادة جرعات الضغط الى وزير الخارجية جان إيف لودريان الذي وجه الى من يهمه الامر رسالة تحذيرية فحواها ان باريس في صدد الانتقال من العتاب الى العقاب ومن مرحلة هز العصا الى مرحلة استخدامها، ما لم يلتقط المعنيون تلك الرسالة ويعملوا بموجبها.
وتفيد المعلومات ان هناك مقاربتين اوروبيتين للخيار التصعيدي:
الأولى تعتبر ان التهديد قد يكون أجدى من العقوبات في حد ذاتها، اذ ان تجربة العقوبات الأميركية على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لم تؤد الى نتيجة وبقي الرجل على خياراته بل ازداد تمسكا بها، إضافة إلى أن اصدار عقوبات أوروبية ضد شخصيات لبنانية يحتاج إلى المرور في مسار معقد وطويل ويتطلب مسوغات او مرتكزات قانونية صلبة.
المقاربة الأخرى تفترض ان المسايرة لم تعد تنفع مع السياسيين اللبنانيين ولا بد من قرارات صارمة في حقهم لافهامهم ان هامش المناورة انتهى وان الاوروبيين جادون، “وإلا فإننا نجازف بفقدان صدقيتنا.”
وما بين هذين الحدين، يبدو أن هناك طرحا يلحظ امكان الذهاب نحو عقوبات “ميّسرة” وسهلة التطبيق، بعيدا من الشروط والتعقيدات القانونية، من نوع ان ترفض كل دولة أوروبية إعطاء فيزا (شينغن) لأي سياسي متهم بالتعطيل، وهذا يعني حرمانه من زيارة 22 دولة أوروبية، ما ينعكس سلبا على مجموعة من الشخصيات الاساسية وعائلاتها.
كذلك، من العقوبات المحتملة التي يمكن تنفيذها اذا استمرت عرقلة الولادة الحكومية تجميد الحسابات المالية المشبوهة. وفي هذا الإطار، يكفي ان يقدم مواطن لبناني مقيم في فرنسا، او اي مكان آخر من أوروبا، إخبارا يتعلق بشبهة فساد او تبييض أموال تحوم حول حساب مصرفي يملكه زعيم او سياسي لبناني ضمن النطاق الأوروبي، حتى يتم تجميده فورا ويبدأ التدقيق فيه على قاعدة من أين لك هذا؟ وصولا الى اتخاذ اقسى الإجراءات متى ثبتت صحة تلك الشبهة.

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى