منوعات

هل يُجمّد الإتحاد الأوروبي أملاك وأموال السياسيّين في أوروبا؟

عيون فرنسا على غاز لبنان وإعادة إعمار سوريا

“ولادة الحكومة في لبّنان باتت تحتاج إلى معّجزة”. عبارة يُردِّدها السياسيّيون اللبنانيون في لقاءاتهم واتصالاتهم الداخلية والخارجية. أمّا تفاصيل الأزمة الداخليّة وأسباب تأخير الحل السياسي، فيتم تداولها على ألسنة سفراء دول العالم في لبنان الذين يتواصلون بشكلٍ دائم مع بلادهم عبر تقاريرهم الدبلوماسية الدورية عن الأوضاع في لبنان.

صرخة فرنسية جديدة أطلقها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بعدما ضاق صدره ذرعاً من استعصاء الحل وبعدما بلغ كذب السياسيين على فرنسا الزُبى، بحسب ما تنّقل مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي لـ”أحوال”. وقد وجّه لودريان رسالة شديدة اللهجة إلى القادة والمسؤولين اللبنانيين يُنّذِرهم خلالها بضرورة الإسراع بتأليف الحكومة. وربما تكون هذه الرسالة الإنذار الأخير قبل اتخاذ خطوات جديدة للضغط على اللبنانيّين، كالعقوبات المالية أو بالحد الأدنى تجميد أصول وأموال بعض السياسيّين في فرنسا ودول أوروبية أخرى.

وبحسب بيان وزارة الخارجية الفرنسية وزعته السفارة الفرنسية في بيروت، فقد أجرى لودريان مباحثات مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء المكلّف سعد الحريري.

فما هي أبعاد كلام لودريان وما هي وسائل الضغط الجديدة التي يتحدث عنها؟ وهل هي كفيلة بدفع السياسيين اللبنانيين للاتفاق على تأليف حكومة جديدة وفق المبادرة الفرنسية؟

فرنسا تخشى على وحدة الكيان اللبناني واستقراره

أستاذ العلاقات الدولية والخبير في الشؤون الفرنسية وليد عربيد يرى “أنّ فرنسا تخشى من ثورة حقيقية في لبنان في حال استمر النزيف في الاقتصاد اللبناني والتدهور المالي، سيّما مع تكدس الأزمات وعجز الدولة عن معالجة أزمة واحدة. الأمر الذي يؤثّر على أمن واستقرار لبنان ووحدة اللبنانيين”. ويشدد عربيد لـ”أحوال” على أنّ “فرنسا من أكثر الدول اهتماماً بلبنان وتعتبره ساحة نفوذ أساسية لها في الشرق الأوسط ولن تتخلّى عنه وستظل تعمل مع شركائها في الإتحاد الأوروبي على مساعدة لبنان وإنقاذه من الإنهيار الكبير”. ويؤكد بأن “المبادرة الفرنسية مستمرة ولم تنتهِ ولن تنتهي، لأنها المبادرة الوحيدة القائمة حالياً ولا بديل عنها؛ فضلاً عن أنها تلقى الدعم من دول عدة إقليمية ودولية مؤثّرة في الساحة اللبنانية”.

وفي سياق ذلك، تستبعد جهات محلية مطّلعة على الموقف الفرنسي أن تذهب فرنسا والإتحاد الأوروبي إلى خيار فرض عقوبات مالية على شخصيات سياسية لبنانية كالرئيس سعد الحريري أو مقربين منه أو على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وغيرهما. وتقول المصادر لموقعنا: “ربما تلجأ فرنسا ومعها الاتحاد الأوروبي إلى تجميد أصول وأملاك والحسابات المالية لبعض السياسيين اللبنانيين في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا، وهم معروفون بالأسماء وأبرزهم من صناع السياسة في لبنان والضالعين بعملية تأليف الحكومة”.

سقوط لبنان يعني خسارة فرنسا نافذة المتوسط

ويضيف عربيد في هذا السياق إلى أنّ “لودريان الآتي من خلفية تاريخية كأستاذ في التاريخ ومطّلع على العلاقات الدولية يُدرك بدقة الواقع والتركيبة في لبنان الذي أسسته فرنسا في العام 1943. ويعرف بأنّ استقرار الكيان اللبناني واستمراريته قائم على دعائم وركائز أهمها: وحدة الطوائف والمجتمع اللبناني والدعم السياسي والمالي الخارجي والمعادلة الإقليمية – الدولية التي حافظت على استقرار لبنان. وبالتالي الإنهيار المالي والاقتصادي يُهدّد بسقوط هذه الركائز ما يعني تفكك المجتمع وتأجيج الصراع الطائفي وانفلات الأمن والإحتكام الى الشارع. وهذا يعني أن فرنسا ستخسر النافذة الإستراتيجية الأساسية على الشرق الأوسط”.

ويتنامى الخوف الفرنسي على لبنان بعد توقيع الإتفاقية الضخمة بين إيران والصين البالغة 450 مليار دولار. وبالتالي الخشية أن تتحول الدولتيّن إلى قوة اقتصادية عالمية عظمى تجّذُب وتسّتقطب دولاً أخرى في الشرق ومنها لبنان. وبالتالي انتقاله من الحضن الغربي والأوروبي تحديداً إلى محور الشرق الذي تمثله روسيا والصين وإيران.

فرنسا ترصد الغاز في لبنان وإعادة إعمار سوريا

ولا يُخّفى عن حسابات الفرنسيّين الثروات الغازية والنفطية التي تختزتها المياه الإقليمية اللبنانية وتُدرك أن الأوان قد يحين لإبرام تسوية إقليمية – دولية لاستخراج هذه الثروات من باطن الأرض ويكون لـ”الأم الحنون” نصيب الأسد فيها.

وصحيح أنّ عين فرنسا على لبنان وثرواته ومصارفه ومينائه المدمّر، لكن عيناها الإثنتان على سوريا؛ خصوصاً وأن باريس تدرك أيضاً بأنّ إعادة إعمار سورية (600 مليار دولار) آتٍ لا مُحال عاجلاً أم آجلاً وإن تأخر بعض الوقت. وتدرك ما يشكّله لبنان وجغرافيته وقطاعه المصرفي وخبرات شركاته من قاعدة خلفية لدخول فرنسا إلى ساحات الفرص التجارية والإستثمارية الثمينة التي تشكّلها سورية وما قد يدره هذا من أموال باهظة تنعش الاقتصاد الفرنسي والأوروبي عموماً المصاب بالشيخوخة الذي سبّبه الإنكماش ووباء كورونا في الاقتصاد العالمي.

لذلك تستعجل باريس الحكومة لتمارس الوصايا المالية والسياسية على لبنان بالتعاون مع الأميركيين؛ وذلك من خلال وضع اليد على مصرف لبنان والقطاع المصرفي والمرفأ والمؤسسات الخصبة أي التي تدر أموالاً؛ وذلك عبر فرض شروط صندوق النقد الدولي مقابل الدعم المالي. وحتى موعد إعادة الإعمار في سوريا يجب أن يبقى لبنان في حسابات فرنسا وحتى أميركا مستقراً من خلال حكومة تعيد جمع الطوائف في بوتقة واحدة كي لا يتفكك النسيج الاجتماعي.

في الخلاصة، إنّ الفرنسيين والأوروبيين والأميركيين لن يسمحوا بأن تستفرد روسيا بالنفوذ في المنطقة من بوابة قوتها العسكرية والسياسية في سورية ومن نافذة الإتفاقات الإيرانية – الصينية.

محمّد حميّة

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى