منوعات

قرار العودة للعمل بالمنصّة الالكترونية: تهدئة للسوق لكنّ الحل سياسي

مستشار اتحاد المصارف العربية لـ"أحوال": مصرف لبنان يحتاج ما بين 4 و6 ملايين دولار في اليوم لضبط سعر الصرف

يعيش لبنان منذ انتفاضة 17 تشرين في تخبط اقتصادي لم يسبق له مثيل، وسط تقلّبات حادّة في سعر صرف الدولار، يقابلها انهيار لقيمة العملة الوطنية، بعد تهريب كمية طائلة من الأموال بالعملات الصعبة إلى خارج لبنان وتفاقم الطلب على الدولار الأميركي، ما عرّض المصارف لأزمة سيولة حادّة بالعملات الأجنبية، وجعلها تلجأ إلى مصرف لبنان لمدّها بالسيولة اللازمة على أساس السعر المعتمد للدولار الأميركي -أي 1515 ل.ل.- ما أدّى إلى استنزاف جزء لا يُستهان به من احتياطات المصرف المركزي بالدولار.

أمام هذا الواقع، ظهرت محاولات عدّة على الساحة اللبنانية لضبط القفز الجنوني للدولار وتحسين الوضع الاقتصادي في لبنان، كان أبرزها الورقة الاقتصادية التي أُجهضت قبل أن تبصر النور، بالإضافة إلى محاولة المصرف المركزي التدخل في سوق القطع عبر المنصة الإلكترونية لتلبية حاجات السوق وفق سعر الـ3900 ليرة لبنانية، والتي لم تأتِ بالنتائج المرجوّة، ما خلق سوقًا موازية عُرفت بالسوق السوداء فأزّمت مسألة سعر الصرف حتى وصل إلى الـ15000 ليرة لبنانية.

اليوم، وبعد عام على تجربة المنصة الالكترونية، وعلى أثر اجتماع عُقد في القصر الجمهوري مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تم الإعلان عن عودة العمل بالمنصّة الإلكترونية بهدف تأمين بعض الاستقرار أو الهدوء في سوق القطع، والحدّ من التقلّبات الحادّة والسريعة في سعر الصرف وبالتالي مكافحة المضاربة، مع الإشارة إلى أنّه في 31 آذار الجاري، ينتهي العمل بالتعميم الذي يسمح لأصحاب حسابات الدولار بسحب أموالهم بحسب سعر صرف 3900 ليرة لبنانية لكلّ دولار.

وزير المال في حكومة تصريف الأعمال، غازي وزني، كان أعلن أن الرقم المتوقّع الذي سيصل إليه سعر الصرف عبر منصة الدولار المقترحة من قبل مصرف لبنان، هو 10 آلاف ليرة لبنانية، لافتًا إلى أن العمل بالمنصة “مؤقت وظرفي وضروري”، لأن “الليرة على طريق الانهيار التام”، بحسب تعبيره.

وفي هذا الإطار، أسئلة عديدة تُطرح حول المنصّة وعملها ومدى قدرتها على ضبط سعر الصرف في السوق، والتي يجيب عنها مستشار اتحاد المصارف العربية، بهيج الخطيب، في حديث لـ”أحوال” إذ أكد أنّه بغياب العرض شبه الكلي لا سقف للدولار، وبالتالي لا يمكن تحديد سعر ثابت للمنصة، طارحًا أن يصار إلى إعادة العمل بآلية التدخّل التي كانت مُعتمدة تاريخياً منذ تأسيس مصرف لبنان، عبر اعتماد الخطوات التالية:

أولاً: يصدر مصرف لبنان تعميماً يتمّ بموجبه الفصل بين السعر الرسمي للدولار في السوق المحلية -أي 1515 ل.ل.- والذي يحصر اعتماده بالمعاملات الرسمية مع الدولة اللبنانية فقط، وبين سعر السوق الموازية الذي يتحدّد وفقاً لقواعد العرض والطلب، وبالتالي توازن السوق لحظة بلحظة استناداً إلى المعطيات والمتغيّرات اليومية السياسية والمالية والنقدية والأمنية في البلد، ويتم اعتماده لباقي العمليات التجارية والتحاويل إلى الخارج ضمن الضوابط السائدة.

ثانياً: يحصر هذا التعميم التعامل بالدولار بين مصرف لبنان والمصارف العاملة في لبنان فقط، وعلى أساس السعر في السوق الموازية والذي يتحرّك صعوداً أو هبوطاً وفقاً للعرض والطلب.

ثالثاً: يلزم مصرف لبنان المصارف العاملة في لبنان بالتعامل مع الصيارفة المسجلين لديه فقط وحصراً، حيث تتم معهم عمليات البيع والشراء وفق الأسعار التي يحدّدها مصرف لبنان.

رابعاً: يلزم مصرف لبنان الصيارفة المدرجين على لائحة ببيع وشراء كميات الدولار التي يتداولون بها مع المصارف إلى زبائنهم، وفق آلية وشروط تحدّدها لجنة الرقابة على المصارف تطبيقاً للتعميم الصادر عن مصرف لبنان.

خامساً: يلزم مصرف لبنان المصارف العاملة في لبنان والتي تتعامل معه ومع الصيارفة وفق هذه الآلية، بمسك سجلات محاسبية منفردة ومستقلة بالليرة والدولار لتبيان كل العمليات التي تتم بينها وبين الصيارفة ونتائجها، وذلك وفق جداول تنظّمها لجنة الرقابة على المصارف.

سادساً: يلزم مصرف لبنان الصيارفة المعتمدين لديه بتزويد لجنة الرقابة على المصارف أسبوعياً بجداول تفصيلية تنظمها اللجنة وتبين كافة العمليات التي تمت فيما بينها وما حققته من نتائج، وذلك على أقراص مدمجة وممهورة بختم وتوقيع الجهات المسؤولة والمفوضة لدى الصراف، وذلك على كامل مسؤولية هذه الشركات القانونية والجزائية.

سابعاً: يقوم مصرف لبنان بوضع الإطار القانوني لعمل المنصة والقواعد والأسس التي تبنى عليها عمليات التداول في سوق القطع.

ثامناً: في موازاة كل ما سبق، يضع مصرف لبنان السياسات التي تهدف إلى امتصاص السيولة بالعملة المحلية من الأسواق لتخفيض الطلب على الدولار ما أمكن، وبذلك يتشكِّل الإطار العملي والقانوني والمحاسبي للمنصّة الالكترونية.

في المقابل، وحول قدرة مصرف لبنان على القيام بخطوة مماثلة، يقول الخطيب لموقعنا: “مصرف لبنان يملك 16 مليار دولار توظيفات إلزامية من ودائع المواطنين في البنوك (أي 15% من حجم الودائع من العملات الأجنبية الموظّفة في البنوك في الخارج)، ولضبط سعر الصرف في السوق سيحتاج ما بين 4 و6 ملايين دولار في اليوم، أي مليارين ونصف إلى ملياري دولار في السنة، ما يعادل القيمة التي تنفق على قطاع الكهرباء في لبنان، وهو أقل بكثير من كلفة الدعم التي تصل إلى 7 مليار دولار في السنة”، لافتًا إلى أنه إذا ما اعتُمدت سياسة التدخّل المرن في سوق القطع وفقاً لقاعدة “الهرم المعكوس” في عمليات البيع، و”الهرم الطبيعي” في عمليات الشراء، -وهذا من أهم واجبات البنك المركزي للحفاظ على استقرار سعر صرف العملة الوطنية إستناداً إلى قانون النقد والتسليف- فإنه قد لا يخسر هذا المبلغ من احتياطاته، بل يمكنه أن يعوض جزءاً منه إذا توقّف عن بيع الدولة ثمن السلع المدعومة والإستعاضة عنها ببطاقات مالية للأسر المحتاجة فعلاً، “وهذه مسؤولية الدولة وليس مصرف لبنان”، بحسب قوله، مضيفًا: “كما أن تغيّر الظروف السياسية في البلد يتيح له إعادة تكوين احتياطاته بسهولة، كما حدث سابقاً مع تجربة استلام الرئيس الشهيد رفيق الحريري لرئاسة الحكومة عام 1992”.

في المحصّلة، جلّ ما يتوقع أن تحقّقه هذه المنصة هو تهدئة السوق والحدّ من التقلّبات المؤذية للأسعار والتي تتسبّب بالتضخّم المفرط، وليس تغيير اتجاهه إلا بعد الاتفاق على حلّ سياسي يؤدّي إلى تشكيل حكومة توحي بالثقة ووضع برنامج إنقاذ إقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، والقيام بالتدقيق الجنائي وتطبيق الاصلاحات المطلوبة. ولذلك لا نأمل بأي استقرار في سعر الصرف في ظروفنا الحالية حتى على المدى المنظور، إلّا بسحر ساحر.

باولا عطية

باولا عطية

كاتبة وصحافية لبنانية. تحمل شهادة الماجستير في الإعلام الاقتصادي والتنموي والإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. والإجازة في الصحافة والتواصل من جامعة الروح القدس الكسليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى