مجتمع

آخر مستجدات”نووي” الزهراني: الوضع تحت السيطرة

في وقت كان فيه اللبنانيون يتوقعون “كارثة” جديدة بسبب مواد خطرة موجودة في محيط مطار بيروت، أتى “الخطر” هذه المرة من منشأة الزهراني جنوب لبنان، ولم تكن المواد المحفظة فيها كيماوية وحسب، إنّما “نووية” أيضاً.

وتفاجأ اللبنانيون بإعلان المجلس الأعلى للدفاع عن وجود “مواد نووية عالية النقاوة وخطرة” في مصفاة الزهراني، هم الذين باتوا يتحسسون من كل شيء “كيميائي”، سيّما بعد انفجار مرفأ بيروت، ثالث أكبر انفجار كيميائي في العالم!

المجلس الأعلى للدفاع بدوره كلّف وزير الطاقة “اتخاذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع الوزارات والمؤسسات المعنية، لا سيّما الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية لتخزين المواد الشديدة الخطورة، بعد سحبها من منشآت النفط أو أي أمكنة أخرى”.

لكن ما مدى خطورة هذه المواد التي كشفها تقرير شركة  “COMBILIFT” الألمانية المكلّفة بإجراء مسوحات للمنشآت اللبنانية بعد كارثة 4 آب؟ وهل يعني اكتشاف هذه المواد اليوم، بأنّ “قنبلة موقوتة” كانت تعيش جنوب لبنان؟ وهل انتهت “كوارث” منطقة الزهراني مع طي هذا الملف؟

الشركة الألمانية

بدأت القصة منذ تكليف لبنان للشركة الألمانية “كومبو ليفت” بمسح شامل لمنشآته. فكان أن اكتشفت الشركة 52 مستوعباً توازي خطورة محتوياتها مجتمعة، انفجاراً بضخامة انفجار بيروت، الذي قدّرت كمية مادة نيترات الأمونيوم المتفجرة فيه بـ300 طن، فيما بقية الكمية (2750 طناً) بقيت مجهولة المصير!

وحكي مؤخراً عن “صفقة” ما بحجة “شحن الشركة لمواد منشأة الزهراني خارج لبنان”. فيما أبدت هيئة الطاقة الذرية اللبنانية، استعدادها لأخذ المواد دون أية تكلفة، بحيث “ستنقل في سيارة الإثنين إلى الهيئة”، سيّما وأنها “8 مراطبين”، بحسب ما قال مدير منشآت الزهراني.

كل هذه الخيوط تردّ الرأي العام للعقد الأم مع الشركة، و”كومبي ليفت” تقدمت بواسطة الجمعية اللبنانية للأعمال برئاسة ايلي أسود، بعرض نقل وإزالة وإتلاف المواد الموجودة في المرفأ عبر نقلها إلى الخارج.

والعقد بالتراضي مع إدارة المرفأ، بلغت قيمته 3 ملايين و600 ألف دولار، يُسدد منها مرفأ بيروت 2 مليون، فيما تتحمل الشركة مبلغ 1 مليون و600 ألف دولار.

ومن هنا بدأت رحلة إيجاد المواد الخطرة في المنشآت اللبنانية بعد المرفأ. وبعد الكشف عن مواد خطرة في معمل الزوق الحراري، كُلفت الشركة إزالة هذه المواد بعقد قيمته نحو 100 ألف يورو، لتكتشف بعدها المواد التي في الزهراني…

المجلس الوطني للبحوث العلمية: لا داعي للهلع!

أرسلت المديرية العامة للنفط كتاباً إلى الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، بتاريخ 1 آذار، فردّت الهيئة بأن المواد المصنفة هي “نووية تخضع لنظام الرقابة والتحقق المتعلّق بمنع انتشار الأسلحة النووية ويتوجب ترخيص تخزين هذه المواد، وفي حال تعذّر تخزينها، فإن الهيئة على استعداد لنقلها وتخزينها في مختبراتها وإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

يقول الأمين العام لـ”المجلس الوطني للبحوث العلمية” (الذي تتفرّع منه الهيئة)، معين حمزة في حديث لـ”أحوال”، إنّه عندما وصل مسح الشركة الألمانية لمنشأة الزهراني، تم العثور على هذه المواد.

كان رصد هذه المواد صعباً من قبل لأنها لم تُسجّل لدى دخولها إلى لبنان على عكس غيرها من المواد النووية، أما السبب فيعود لدخولها في خمسينيات القرن الماضي، أي قبل توقيع لبنان لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وكانت المنشأة حينها بإدارة الشركة الأميركية  Medrico.

وكانت هذه المواد تُستعمل  في تكرير النفط العراقي وتصديره، لكن رغم توقف التكرير، بقيت المواد، دونما استعمال لها يذكر.

ويصعب تتبع مصدر جلبها إلى لبنان، نظراً لعامل الوقت، وهي مواد كيميائية ذات قيمة عالية، لكنها ضعيفة جداً إشعاعياً، لذلك عرضت الهيئة الذرية على مديرية النفط مساعدتها في توضيبها بشكل آمن أو أخذها لاستعمالها في أبحاثها ومشاريعها التطبيقية.

نسأل حمزة عن عدم سماع بعض اللبنانيين بالهيئة الذرية اللبنانية، ليجيب، هذا مرده إلى تقصير الناس، فالمؤسسة موجودة منذ العام 1996. وعن انفجار مرفأ بيروت، وما إذا كان للمجلس دور رقابي قبل الإنفجار أو بعده كمسح للأضرار البيئية، يرد: ليس لنا دور بالمواد التي كانت موجودة في المرفأ، دورنا في الدولة ليس مرتبطاً في انفجار 4 آب.

في المقابل، يشرح حمزة مهام المجلس الذي يضم حوالي 75 موظفاً، وعدة مراكز، ويضم مرصد الجيوفيزياء، ومركز علوم البحار، والمركز الوطني للاستشعار عن بعد.

أما هيئة الطاقة الذرية، فتضم شبكة لرصد الأشعة من خلال 26 محطة موزّعة في كل لبنان، وإذا حصل أي تسرب اشعاعي خارجي، نقوم بتحديده فوراً.

وعن منشأة الزهراني كنقطة استراتيجية مستهدفة من قبل العدو الإسرائيلي، وما إذا كان الإشراف المسبق عليها واجباً، يرى حمزة في هذا الكلام لغواً، لكن للبنانيين الحق بأن يخافوا، والمشكلة ألا شيء يطمئن حولهم، لكن في موضوع الزهراني نؤكد أن الوضع تحت السيطرة ولا داعي للخوف.

مطر يدعم نظرية المؤامرة ويكشف عن “كارثة أخرى”!

بدوره، يذكّر رئيس اتحاد بلديات الزهراني علي مطر أن هذه المواد كانت تحت إدارة الأميركيين سابقاً. ويسأل، هل وضع الأميركيون أنفسهم تحت دائرة الخطر؟ هل يُعقل؟

ولا داعي للهلع برأيه فيما خص المنشأة، فنحن نصدق العلماء عوض الإشاعات. كما أن هناك “كوارث” أخرى “حقيقية” وترى بالعين المجردة ووجب تصديقها، كتسريب النفط في بحرنا.

ويستغرب مطر كيف لم يهلع الرأي العام فيما خص التسريب “الكارثة”، ولم يهلع المسؤولون برأيه بمن فيهم وزراء الصحة والبيئة والأشغال العامة ولا حتى المؤسسات الدولية، سيما وأن مصدر التلوث البحري هو “اسرائيل”.

وفي العودة للمواد النووية، يرجّح مطر نظرية المؤامرة، معتبراً أنه جرى تضخيم الموضوع بهدف الدفع للشركة الألمانية للتخلص من هذه “المراطبين”.

وبرأيه أيضاً، فإنّ الـ 1400 غرام في المراطبين هزّت الرأي العام فيما لم يهزه تلوّث الشاطئ في الجنوب، واللامبالاة تسببت بتلوث شاطئ لبنان برمته. والهيئة العليا للإغاثة لم تعوّض، ولا أحد سعى لمطالبة “إسرائيل” بتعويض.

وهو فاقد للأمل بتغيير الهرم من فوق، “فنحن فاسدون مصغرون، والأزمة عرّت وجوهنا، لذا لنبدأ بتغيير أنفسنا، سيما وأن الآتي أعظم، وكما تكونون يُولى عليكم”.

يبدو أنه مع الدولة اللبنانية هناك دوماً داعٍ للهلع، سواء مع الصفقات والمناقصات والانفجارات، والإهمال وحده كفيل بالتسبب بالهلع. وها نحن سفينة تغرق، وصافرة الإنذار معطلة بانتظار الكهرباء، أما البطارية، فخارج نطاق الشحن، أو ربما سُرقت!

فتات عياد

 

 

فتات عياد

صحافية وكاتبة محتوى، تحمل إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى