منوعات

بعبدا تستنجد بالحراك الدبلوماسي فتنجح فقط محلّياً

شكّل تاريخ 17 تشرين الأول 2019 محطة جديدة في كيفية تعاطي المجتمع الدولي مع السلطة الحاكمة في لبنان على وقع حراك الشارع المطالب بالإصلاحات التي أضحت الشرط الأساسي الذي رفعته الدول المانحة للمساعدة والذي تبلور بشكل جلي منذ مؤتمر “سيدر” في 6 نيسان 2018 وعبر الزيارات المتكررة للموفد المكلف بمتابعة أعماله بيار دوكان.

فراح العهد يستشعر بما أسماه حصاراً دولياً على لبنان، رأى فيه أخصامه عزلة هو إستجلبها نتيجة النهج الذي إعتمده والمتمثّل خصوصاً بمواقف وممارسات وزير خارجيته النائب جبران باسيل من جهة وحليفه الاول “حزب الله” من جهة ثانية.

ومع فاجعة إنفجار 4 آب 2020، إستبشر رئيس الجمهورية ميشال عون خيراً واعلن في مؤتمر صحافي يومها أن “الحادث فك الحصار المفروض على لبنان” بناء على تلقيه إتصالات من أغلبية رؤساء الدول الفاعلين وإعلانهم الإستعداد لتقديم المساعدات المادية. لكن الرياح الدولية أتت بما لا يشتهي قبطان السفينة، إذ قدمت هذه المساعدات عبر المنظمات غير الحكومية بما يظهر مدى عدم الثقة بالسلطة الحاكمة والمؤسسات في لبنان.

كما أن المبادرة الفرنسية لجمع القادة في قصر الصنوبر عشية الأول من أيلول 2020 كرّست فقدان عون القدرة على المبادرة لجمعهم في بعبدا وسقوط مقولة “بي الكل”. وفيما كان الحراك الدبلوماسي بطيئاً على خط بعبدا كان ناشطاً على خط بكركي التي شدّت الانظار اليها خصوصاً مع طرحها الحياد ومطالبتها بمؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة من اجل لبنان، وآخر علاماته التواصل الهاتفي بين البطريرك الراعي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. كذلك، عكست الزيارات الناشطة للرئيس المكلف سعد الحريري الى عواصم القرار مقابل غياب أي موفد رئاسي أو أي جولة لباسيل إستمرار العزلة التي يعيشها عون دولياً.

أبعد من الحصار، بدأ عون يشعر أن ثمة إنطباعاً سائداً في عواصم القرار بأنه وباسيل مسؤولان بشكل أساسي عن تعطيل التشكيل وعدم وضع قطار الحل على السكة. تظّهر ذلك خصوصاً بعد الجولة الاخيرة من “الملاكمة الحكومية” مع الحريري في 18 آذار2021 التي تخطت فيها الضربات كل القواعد وترافقت مع المواقف المتقدمة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ودعوته الى تشكيل حكومة تكنو-سياسية ومسارعة باسيل الى التغريد مؤيداً.

المواقف الدولية التي أعقبت ذلك وعكست تخوفاً من تفلّت الوضع كليا في لبنان عزّزت قلق رئيس الجمهورية، أكان من بيان جامعة الدول العربية التي أعلنت عن إستعدادها لـ “رأب الصدع الحالي وتمكين الحريري من تشكيل حكومته من دون تعطيل وفق المبادرة الفرنسية”، أو عبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي دعا الاتحاد الأوروبي الى “عدم الوقوف مكتوفي الأيدي ولبنان ينهار”، معرباً عن إحباطه من الجهود الفاشلة للتشكيل وصولاً الى أجواء الخارجية الأميركية التي أعربت عن قلقها حيال تطورات الوضع في لبنان وعجز القيادة فيه.

المشهد القاتم دولياً والشعور بأن الحركة التي قام بها الحريري من على منبر القصر الجمهوري أدت الى شدّ العصب السني حوله وخلق تعاطف لبناني معه خصوصاً بسبب كسر كل الاعراف وتخطي الاصول عبر مخاطبته بـ “رئيس الحكومة السابق” بدل “رئيس الحكومة المكلف”، هذه الأمور مجتمعة دفعت بعبدا في خطوة “ذكية” الى المبادرة سريعاً إتجاه سفراء الدول الرئيسية ودعوتهم للقاء رئيس الجمهورية في بعبدا.

ففيما إعتصمت السفيرة الفرنسية آن غريو بالصمت بعد اللقاء حيث لا قيمة لأي كلام بعد موقف رئيس الدبلوماسية الفرنسية لودريان، أكد السفير السعودي وليد البخاري في موقف قرأه أن الزيارة جاءت بناء على دعوة عون، مجدداً إلتزام المملكة بسيادة لبنان وإستقلاله ووحدة أراضيه والأهم تشديدها على اهمية مضامين قرارات مجلس الامن 1701، 1680 و1559 وتمسكها باتفاق الطائف.

بدورها، شاطرته السفيرة الاميركية دوروثي شيا الدعوة للإسراع بتأليف الحكومة وتنفيذ إصلاحات جذرية تعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان. اللافت، أن شيا التي بدورها أعلنت موقفها وفق بيان معدّ سلفاً، تعمّدت الإعلان من بعبدا عن أنها إلتقت قبل ليلة عدداً من الناشطين السياسيين الشباب من مختلف الأطياف وأشارت الى مطالبتهم بحكومة تتحمل مسؤولية بلدهم وقضاء مستقل وسيادة القانون وإجراء الإنتخابات المقررة العام المقبل في موعدها. كما تعمّدت زيارة بيت الوسط مباشرة بعد بعبدا.

نجحت بعبدا الى حد كبير محلياً بحرف الأنظار عن شعور بـ “المظلومية” في التعاطي الذي عبّر عنه الحريري، وحوّلت الاهتمام اللبناني والاعلامي الى معرفة حجم الحراك الديبلوماسي وأهدافه وفاعليته. لكن بناء على مواقف السفراء وحركتهم التي تخطت مقر الرئاسة الأولى لتشمل بيت الوسط وعين التينة وغيرها، لا يبدو أن حركة بعبدا – التي لم تقدم أي جديد يساهم بفتح كوة في جدار التأليف – ستخرق جدار الصوت دولياً وتدفع بعواصم القرار الى الإقتناع بوجهة نظر رئيس الجمهورية.

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى