منوعات

لهذه الأسباب تحسنت قيمة الليرة في لبنان: ماذا عن “المستقبل” القريب؟

تحسّنت قيمة الليرة اللبنانية أمس، فوصل سعر صرفها الى ما دون 7000 ليرة مقابل الدولار الواحد، بعد أن تخطّى الـ 9000 ليرة، ولكن بطبيعة الحال هذا لا يعني عودة السيطرة على سعر الصرف، لأن العوامل التي أدت لارتفاع السعر لم تتبدّل، وبالتالي لا يزال سعر صرف السوق السوداء مرتبطا بأمور معلومة وأخرى مجهولة.
للحديث عن أسباب انخفاض سعر الصرف، ومدى قدرتنا على التحكم به، لا بد من الإشارة مجددا الى أسباب ارتفاع سعر الدولار، والسبب الأساسي بعد تفريغ الدولارات من لبنان عبر تهريب الاموال الى الخارج، والذي بدأ في آب العام الماضي، هو خوف اللبنانيين وفقدان الثقة بالنظام المالي والمصرفي، وربما النظام اللبناني ككل، فاللبنانيين عمدوا الى تجميع الدولارت التي تمكّنوا من الوصول اليها في منازلهم، ويحسبون ألف حساب قبل بيع دولار واحد منها، لأنهم خائفين من احتمال وقوع الإنهيار الكامل، وهذا السبب الجوهري لم يتغيّر ليكون انخفاض سعر الصرف مبنيّا على أسس صلبة.
من أسباب ارتفاع سعر الدولار أيضا، توقف المصارف اللبنانية عن منح المودعين دولاراتهم، الأمر الذي دفع من هم بحاجة، وأحيانا من هم ليسوا بحاجة، الى التوجه نحو السوق السوداء الذي تسيطر عليه مجموعات متمكّنة، لا مجرّد أفراد أو بعض الصرافين كما يُراد للبنانيين أن يصدّقوا، الأمر الذي رفع السعر. أما اليوم، لا تزال المصارف على موقفها الرافض لتسليم الدولارات للمودعين، وبالتالي هذا السبب أيضا لم ينتف لكي نقول أن تحسن سعر الليرة مقابل الدولار هو امر علميّ معروف الأسباب بشكل كامل. اذا ما هي أسباب تحسن سعر الليرة؟
مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، فرض مصرف لبنان على شركات تحويل الاموال، تسليمه الدولارات التي تدخل لبنان، وصرفها للبناني بحدود الـ 3800 ليرة للدولار الواحد، الأمر الذي دفع اللبنانيين لتقليص كمية الأموال المرسلة الى البلد، فانخفضت من حوالي 10 مليون دولار يوميا قبل الأزمة – 3 مليون دولار منها للسوريين الذين لا يستطيعون إرسال الدولار من الخارج الى سوريا فيرسلونه الى لبنان ومنه الى سوريا- الى حدود المليون ونصف المليون دولار يوميا، ما جعل المصرف المركزي يُعيد النظر بالقرار الذي تسبّب بخسائر ضخمة وصلت الى حدود 155 مليون دولار شهريا، والعودة لتسليم الدولار القادم من الخارج الى اللبنانيين عبر شركات تحويل الأموال، ما رفع الكميات المرسلة يوميا بظرف أيام الى حدود 7 مليون دولار، ما خلق نوعا من الارتياح بالسوق، وادى لامتناع البعض عن التوجه للسوق السوداء للحصول على الدولارات، فانخفض سعر الصرف.
كذلك من أسباب تحسن سعر الليرة، انخفاض حجم الاستيراد من الخارج. قبل الأزمة الإقتصادية كان يبلغ حجم الإستيراد حوالي 18 مليار دولار سنويا، فانخفض في منتصف الأزمة الى حوالي 10 مليار دولار بسبب انخفاض القدرة الشرائية للبنانيين، وكان المصرف المركزي يؤمن حوالي 4 مليار دولار، وبعد انفجار مرفأ بيروت، انخفض حجم الاستيراد أكثر، ما قلّص الفجوة المالية بالدولار بالسوق الى حوالي 3 مليار دولار بدل الـ 6 مليار دولار، ما يعني تقليل حجم اللجوء الى السوق السوداء لطلب الدولار، فانخفض سعره.
من جهته يؤكد الخبير الإقتصادي زياد ناصر الدين دور القرار القاضي بتسليم أموال الناس عبر شركات التحويل بالدولار، بتخفيض قيمة العملة الخضراء، مشدّدا على أن الخسائر الناتجة عن توقف عمل المرفأ كان لها دورها أيضا، بتخفيض الطلب على الدولار، مشيرا في حديث لموقع “أحوال ميديا” الى أن الطلب على العملة صعبة خفّ تدريجيا مع وصول المساعدات الغذائية والطبية في لبنان، وبسبب انخفاض قدرة الشركات على العمل، وانخفاض الحاجة للاستيراد، وبسبب فتح المطار ودخول أموال المغتربين الى لبنان ولو بقيمة أقل من السابق.
ويضيف: “إن هذا الواقع جعل الدولار يتراجع قليلا ليقترب من قيمته الحقيقية، اذ أن ارتفاعه الجنوني سابقا لم يكن مبنيا على قواعد علمية بل جاء بسياق التوظيف السياسي”، مشيرا الى أن هذا الواقع قد لا يستمر طويلا بحال عادت الحياة الإقتصادية الى طبيعتها التي كانت سائدة منذ بداية العام الحالي ولو بشكل جزئي.
إن هذه المعطيات الإقتصادية تبيّن أن تحسن سعر صرف الليرة لا يستند الى عوامل اقتصادية ثابتة، فقد يرتفع مجددا حجم الاستيراد، أو قد تتبدّل أرقام الدولارات المحوّلة الى لبنان، بينما تبقى الأسباب الرئيسية لتدهور الليرة موجودة، خصوصا بظل اقتراب المصرف المركزي من الوصول الى الحد الذي لا يستطيع بعده تقديم الدعم الذي يقدّمه اليوم للمواد الأساسية المستوردة.
من ناحية أخرى، يتحدث البعض عن أسباب سياسية ادت لتحسّن سعر الليرة مقابل الدولار، أبرزها الحديث عن مبادرة فرنسية قد تُعيد الهدوء الى الساحة اللبنانية، ولكن كل هذه المعطيات التي قد تؤثر بالفعل على سعر الصرف، تبقى خاضعة للتبدّل في أي لحظة، وبالتالي الوصول الى الاستقرار النقدي يجب أن يسلك طريقا واحدا هو التفاوض مع صندوق النقد الدولي وتقديم الدعم المالي من العملات الصعبة الى لبنان.
وفي هذا السياق يلفت ناصر الدين النظر الى أن الجو السياسي الذي يوحي بالهدوء يؤثر على سعر الصرف، ولكن هذه الظروف قد لا تستمر طويلا، ما يعني اننا اليوم لا نستطيع مقاربة الوضع المالي بالعلم فقط، ولا يمكن التنبؤ بمصير الليرة، لأن الأزمات السياسية قد تعود بأي لحظة، وقد يجد البعض حاجة لاستثمار الدولار من جديد في اللعبة السياسية.

محمد علوش

محمد علوش

صحافي لبناني، يحمل إجازة في الحقوق وشهادة الماستر في التخطيط والإدارة العامة من الجامعة اللبنانية. بدأ عمله الصحافي عام 2011، وتخصص في كتابة المقالات السياسية المتعلقة بالشؤون اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى