منوعات

تغيير في مقاربة السعودية للملف اللبناني

البُخاري وصفَ عون بالـ"الحكيم والوفي" فماذا عن الحريري؟

لمّ تكُن زيارة سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري إلى قصر بعبدا عاديّة في التوقيت والشكل والمضّمون.

فالسعودية التي انتهجت سياسة مقاطعة عهد الرئيس ميشال عون منذ أكثر من عامين، عاد سفيرها اليوم ليحلّ ضيفاً على رئيس الجمهورية.

فما هي أبعاد الزيارة وأهدافها؟

لقاء جريصاتي – البُخاري مهّد للزيارة

بدأت القِصة منذ حوالي الأسبوعين عندما تهجّم  صحافي لبناني على المملكة وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان في حوار تلفزيوني على قناة “أو تي في” التابعة للتيار الوطني الحر. ما دفع بمُدير المحطة روي الهاشم وهو “صُهر” رئيس الجمهورية إلى إبداء امتعاضه من مقدم الحلقة الذي بادر إلى تقديم استقالته فوراً.

وبعد ذلك حاول رئيس الجمهورية تدارك الخطأ لكي لا تُفهم بأنها رسالة سلبية للسعودية، وأوفد مستشاره الوزير السابق سليم جريصاتي إلى السفارة السعودية في 14 آذار الماضي والتقى سفيرها البخاري وأجرى معه جولة محادثات شكّلت جردة حساب هادئة بينهما وتناولت ملفات عدة. وشرح خلالها جريصاتي للبخاري موقف العهد من المملكة ونقل إليها تقدير واحترام الرئيس عون للسفير وللمملكة وملكها وأميرها كدولة شقيقة تربطها علاقات طيبة مع لبنان. كما أكد جريصاتي بأنّ الرئاسة الأولى ليست مسؤولة عن أية اتهامات أو كلام نابٍ يصدر عن أي شخصية سياسية أو إعلامية، كما وجه جريصاتي دعوة للسفير السعودي لزيارة بعبدا.

وأكد جريصاتي في اللقاء مع البخاري تعهّد عون والتيار الوطني الحر بوَقف المساهمة في الحملات الإعلامية على السعودية، وهو ما ترجمته محطة “أو تي في” في برامجها السياسية وأخبارها.

توقيت الزيارة وشكلها ومضمونها

في التوقيت جاءت زيارة السفير البخاري بعد أقل من 24 ساعة على جولة التصعيد “الحريرية” على رئاسة الجمهورية والتي بلغت أوجّها مساء الإثنين الماضي من خلال حرب البيانات وكشف الأوراق الحكومية. كما أتت الزيارة في وقت وصلت عملية تأليف الحكومة إلى طريق مسدود. في المقابل، لم تُسَجّل أي زيارة للبخاري إلى بيت الوسط مُنّذُ وقتٍ بعيد، على الأقل منذ تكليف الحريري لتأليف الحكومة حتى الآن.

في الشكل تلى البخاري بعد اللقاء ورقة أعدها سابقاً، ما يدل على أن الزيارة ليس في إطارها “البروتوكولي” أو زيارة شخصية وودية فقط، بل تمت بالتنسيق مع دولته بتوجيه من وزارة الخارجية السعودية، ما يدل على بداية تغيير في مقاربة السعودية للملف اللبناني.

في المضمون، لم ينطُق البخاري كلمة واحدة تؤشر إلى دعم المملكة للحريري ولا لتأليفه الحكومة العتيدة؛ بل انحصر كلامه في العموميات والتأكيد على العلاقة بين البلدين ودعم السعودية للبنان واحترام سيادته وعدم التدخل في شؤونه الداخلية ودعوته إلى التسريع بتأليف الحكومة.

حاول عون جس نبض البخاري تجاه الملف الحكومي

وأشارت أوساط بعبدا لـ”أحوال” إلى أن “اللقاء كان جيداً جداً وإيجابياً وتخلّله كلام ودٍ ومحبة وتقدير من السفير السعودي لمواقف عون لجهة إدانة الحكومة اللبنانية ووزارة الخارجية الهجمات اليمنية على السعودية. ووصف البخاري عون بالرجل “الحكيم والوفيّ”. ما فُسِّر على أنه يقصد الحريري بقلة الوفاء مع المملكة.

وفيما بدا مستغرباً وصف السفير لعون بالحكيم والوفي علماً أن العلاقة لم تكن جيدةً طيلة سنوات العهد بين السعودية ورئيس الجمهورية لاعتبار الأخير منضوياً في حلفٍ مع حزب الله ومنحازاً لمحور إيران – سوريا – حزب الله. ووضعت مصادر مطلعة كلام البخاري في إطاره “البروتوكولي واللياقات الديبلوماسية وليس في إطاره السياسي”. إلا أن مصادر أخرى لفتت إلى أن “البخاري تقصد إطلاق هذه الأوصاف على عون لتوجيه “لطشات” سياسية للحريري”.

وبحسب معلومات “أحوال”، فقد حاول عون خلال اللقاء جسّ نبض السفير السعودي عن موقف بلاده من ترؤس الحريري للحكومة ومدى إمكانية دعمها سيّما وأن المملكة تملك نفوذاً كبيراً في المؤسسات المالية العربية والدولية وتحديداً في مجلس التعاون والخليج، إضافة إلى دولة الإمارات حيث يُشكلانً معاً مفتاح الدعم المالي الخليجي للبنان. فرد السفير البخاري بأن بلاده ليست متمسكة بشخصٍ معين بل تريد تأليف حكومة بشكلٍ سريع.

أهداف عدة حققها عون من الزيارة

أما الرئيس عون فأراد عبر هذه الزيارة تحقيق عدة أهداف:

أولاً: إعادة فتح قنوات التواصل مع السعودية وترميم العلاقات معها لإزالة المسؤولية التي يلقيها عليه أخصامه السياسيّين بأنه ساهم بتخريب علاقة لبنان مع المملكة والدول الخليجية والعربية وعزل لبنان عن العالم بسبب تحالفه مع حزب الله.

ثانياً، محاولة كسر الحصار والطوق الخليجي على العهد وإعادة لبنان إلى الحضن الخليجي من البوابة السعودية وحتى وإن اقتصر الأمر على اللقاءات والزيارات الدبلوماسية وتبادل مشاعر الود، لكنها تخفف من الحملة الإعلامية على العهد.

ثالثاً، توجيه رسالة قاسية للحريري ذات بُعديّن: الأول تظهير مدى سوء العلاقة بين السعودية وبيت الوسط، وبالتالي رفض السعوديين لترؤس الحريري الحكومة. الثاني، التلميح للحريري بإمكانية اتفاق السعودية وعون على شخصية سنية بديلة عن الحريري لتأليف الحكومة.

وبحسب معلومات “أحوال”،  فقد سأل عون البخاري إذا كان لدى بلاده إسماً لتكليفه تشكيل الحكومة لكي يسير به، لكن البخاري اكتفى بالتأكيد على ضرورة تأليف الحكومة والتعبير عن استيائه من “قلة وفاء” الحريري وفقدان الثقة به.

وأشارت المصادر إلى أن “وقع الرسالة كان شديداً على بيت الوسط حيث قرأ الحريري في لقاء بعبدا رسالة سعودية سلبية له وأن الموقف السعودي لم يتطوّر قيد أنملة تجاه الرئيس المكلّف رغم كل محاولاته خطب ودها خلال الجولات الخارجية الأخيرة.

محمّد حميّة

 

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى