منوعات

هل سيتم تصفية فروع المصارف اللبنانية في الخارج؟

هيمنت المصارف اللبنانية على النظام المالي للبلاد، وشكّلت مصدر التمويل الأكبر للأفراد والمؤسسات وحتّى للدولة، منذ زمن. واستفادت من الفوائد المرتفعة في عمليّة إقراض الدولة، التي وصلت إلى حوالي الـ 13%، في حين تراوحت هذه الفائدة في أوروبا مثلًا، بين الـ 0،7% والـ 5% كحدّ أقصى. لهذا السبب، وعلى الرغم من إلتزام القطاع بالمعايير الدوليّة، فقد ساهمت المصارف في إغراق الدولة وزيادة أعبائها، من دون تحديد شروط واضحة وسقف للإقراض.

المصارف اللبنانية تقفل فروعها في الخارج

لم تهتمّ الدولة اللبنانية باعتماد خطط اقتصادية مستدامة، بل استنزفت مكنونات المصارف في الداخل وأموال الجهات الداعمة في الخارج، فوقع الإنهيار المعهود. وبعد أن شحّت السيولة في المصارف، أطلّ المصرف المركزي، لكونه السلطة النقدية الناظمة لعمل المصارف، بالتعميم رقم 154، القاضي بتكوين احتياطات مالية خارجية بنسبة 3% من مجموع الودائع بالدولار. وتطبيقًا لهذا التعميم، قامت بعض المصارف اللبنانية ببيع فروع لها في الدول العربية؛ وفي مقدمتها، بنك لبنان والمهجر، وبنك عودة، اللذين باعا في الشهرين الماضيين، فروعهما في مصر والعراق والأردن. في هذا الإطار، تحاول مصارف أخرى، السير في هذا الاتّجاه، وإتمام عمليات بيع في دول عديدة، ومنها قبرص، حسب ما كشفته مصادر مطلعة لـموقع “أحوال”. وتزامنًا مع ارتفاع منسوب المخاطر الائتمانية، وتراجع تصنيفات القطاع المصرفي، كيف ستنعكس هذه الإقفالات على مودعيها وعلى المصرف الأم والمودع اللبناني؟

تصفية جميع الفروع اللبنانية

في حديث لموقع “أحوال”، يعتبر رجل الأعمال طلال المقدسي، أنّه كان لدى السياسيين في لبنان من الحنكة ما يكفي ليحمّلوا المصارف أعباء وكلفة التدهور الحاصل. وعليه، يرى أنّه ستتم تصفية جميع فروع المصارف المتواجدة في الدول العربية، والمملوكة من المصارف اللبنانية. أمّا الفروع القائمة في الدول الأوروبية مثلًا، وهي مصارف خاصة مستقلّة في إدارتها، ومنفصلة كليًّا عن إدارة المصرف الأم في لبنان، فسوف تستمر بالعمل.

ويوضح المقدسي، أنّ فروع المصارف اللبنانية في الدول العربية، كانت قد تأثّرت بعوامل عديدة في السابق، كبّدتها خسائر لا يستهان بها، لا سيّما في الدول التي واجهت مشاكل اقتصادية واجتماعية. وتتمثّل هذه الخسائر بفروقات العملة. فعلى سبيل المثال في مصر، ونتيجة تدهور قيمة الجنيه المصري، خسرت فروع المصارف اللبنانية من رأسمالها الأساسي.

تهريب الأموال

من جهته، يشير المقدسي، إلى أنّ بيع المصارف فروعها في الخارج، يهدف إلى ترشيد رساميلها وإلى تخفيف الضغط الداخلي الذي يُمارس عليها. ولعلّ تعميم المركزي الأخير، الذي فرض على المصارف زيادة رساميلها، كان من أجل تصفية المصارف المتعثّرة من جهة، ومن أجل الضغط عليها لاسترجاع الأموال التي تمّ تهريبها وتحويلها إلى الخارج، من جهة ثانية. فقد أجرت المصارف تحويلات مالية من دون التحقّق الروتيني من الأسباب والمبالغ المحوّلة، كما تفعل مع أي عميل. فكيف وعلى أيّ أساس سُمح للسياسيين النافذين بتحويل أموالهم؟ وفيما يؤكّد المقدسي، على أنّ المصارف تملك المعلومات وتتستّر عنها بفعل قانون السرّية المصرفية، تبقى داتا المعلومات بحوزة المركزي في نيويورك الذي يحتفظ بكافة البيانات المتعلّقة بحركة الأموال الدولارية. وما يفسّر التكتّم الأميركي، هو مساهمة واشنطن غير المباشرة بتهريب الأموال من لبنان وبالتالي إفلاس البلد، من ضمن المخطط الذي ترسمه للمنطقة.

المعلومات لدى المصارف اللبنانية

في المقابل، يؤكّد الخبير المالي والاقتصادي وليد بو سليمان، لموقع “أحوال”، على أنّ أميركا قادرة على تحديد حجم الأموال المهرّبة فقط، ولا تملك التفاصيل المتعلّقة بأسماء الأشخاص التي هرّبت أموالها. وذلك لأنّ المعلومات تقتصر على اسم المصرف المرسِل واسم المصرف المرسَل إليه المبلغ، لدى المركزي في نيويورك. لهذا السبب، من الأجدى أن يتم التحقّق في قضية تهريب الأموال التي قامت بها المصارف، من الداخل اللبناني؛ لأنّ القانون يجيز لهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، بالكشف والتحقيق بقضية تهريب الأموال والتحاويل المالية التي أجرتها المصارف.

الإقفالات لن تحرّر أموال المودعين

بالإضافة إلى تهريب الأموال، واستدانة الدولة اللبنانية، هناك عوامل عديدة قد امتصّت سيولة المصارف اللبنانية، وأدّت إلى ما أدّت إليه. وبحسب بو سليمان، تقوم المصارف اللبنانية اليوم ببيع أصولها في الخارج، في محاولة منها لتأمين السيولة اللازمة لتغطية مصاريفها التشغيلية، ولتلبية التعميم 154. من هذا المنطلق، تعمل المصارف على تعزيز صمودها في السوق اللبنانية، لكنّها لن تتمكّن من تأدية دورها كما يجب، أو من أن تحرّر أموال المودعين. من ناحية أخرى، لا قلق على أموال مودعي الفروع التي أقفلت أو ستقفل أبوابها في الدول الأجنبية، لأنّ حساباتهم ستنتقل من مصرف لآخر من دون أن تتأثّر.

أمّا المخارج والحلول التي ستنتشل القطاع المصرفي من محنته، فتندرج ضمن الحلّ الشامل الذي سينقذ البلد. وهذا الحلّ، المرتبط بالقرار السياسي الذي سيسمح بإجراء إصلاحات هيكلية أساسية، يعيدنا إلى نقطة الصفر.

ناريمان شلالا

 

 

 

ناريمان شلالا

صحافية وإعلامية لبنانية، عملت في إعداد برامج تلفزيونية وإذاعية عديدة، محاورة وكاتبة في المجال السياسي والاقتصادي والإجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى