منوعات

ثلاث سنوات تنتظرنا لوقف الانهيار والتعافي

مرّ على لبنان والدول المحيطة حقبات مماثلة كالتي نعيشها اليوم، حملت تغيّرات عديدة على مستوى النظام السياسي اللبناني، وأدّت في كلّ مرّة إلى تدهور سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار. فهل علينا استذكار أبرز المحطات التاريخية، لنستخلص العبر ولنتوقع كيف ستحول الامور في المستقبل؟

الأزمة مثلّثة الأضلاع

واجه لبنان مراحل عديدة، كانت مرتبطة بالتحوّلات السياسية في لبنان والمنطقة. اختلفت الظروف، ولكن أوجدت هذه المراحل أزمات شبيهة لما نعيشه، من فقر وجوع وبطالة وهجرة وغلاء… وكانت الليرة اللبنانية تنهار وتفقد من قيمتها، في كل مرحلة من المراحل وعلى مرّ الزمن.

يشير عضو المجلس الاقتصادي والإجتماعي، الدكتور أنيس أبو دياب، في حديث لموقع “أحوال”، إلى أنّ الأزمة اليوم مثلّثة الأضلاع. أي أنّها مالية ونقدية واقتصادية، بحيث أصبحت السيولة محدودة وهناك شحّ كبير في الدولار. ما يحصل في لبنان سبق وحصل في بعض الدول المحيطة، مثل مصر واليونان وقبرص. وتؤكّد تجارب هذه الدول، على إمكانية الخروج من الأزمة، خلال فترة زمنية لا تقلّ عن الثلاثة أعوام.

المخرج باستعادة ثقة اللبناني

تتوقّف كلفة الخروج من الأزمة، على طول هذه الأزمة. أي كلّما طالت الأزمة، سترتفع الكلفة فيما خصّ توزيع الخسائر على كافة القطاعات؛ الاقتصادية والانتاجية وعلى الدولة والحكومة والمصرف المركزي والمصارف.

من جهته، يرى أبو دياب، أنّ الحلّ في لبنان يبدأ بتشكيل حكومة ذات مصداقية، تكون قادرة على صياغة خطة بشفافية مطلقة وبسرعة، بعيدًا عن التدخلات والمحاصصات السياسية. والأهم أن تنال هذه الخطة ثقة الشعب اللبناني المقيم، وثقة المغترب اللبناني؛ لأنّ إمكانيات المواطن اللبناني، هي كفيلة باستنهاض الاقتصاد.

كذلك لن تسلك الأزمة مسار الحلّ، إلّا عن طريق تفعيل برنامج مساعدات من خلال صندوق النقد الدولي، لتسوية أوضاع ميزان المدفوعات. وعليه، تنطلق عمليّة الإصلاح، تلقائيًّا من مؤسسة كهرباء لبنان والهيئة الناظمة للكهرباء وللاتصالات. كما يجب أن ينسحب التدقيق الجنائي من حسابات المصرف المركزي إلى كافة القطاعات الإنتاجية وكافة المؤسسات وصناديق الدولة اللبنانية. كلّ هذا، مع ضرورة إطلاق مشروع إعادة إعمار بيروت، وتفعيل مقرّرات سيدر، وإرساء مجموعة قوانين من ضمنها قانون المشتريات العامة وغيره.

بحال اعتُمد هذا المسار في البلاد، يمكن أن تبدأ الأزمة بالاضمحلال بعد 18 شهرًا، وفور تشكيل الحكومة يتوقف الإنهيار الجارف، وغير ذلك سنشهد على أيّام أصعب من التي نعيشها اليوم.

تغيير النظام السياسي

رفع اللبناني شعارات مطالبة بهذه الاصلاحات الضرورية. ويُضاف إليها، المطالبة الشعبية والطروحات السياسية الرامية لتغيير النظام القائم، بعد أن تأزّمت الأوضاع وساد الفقر وازداد الجوع وعمّت البطالة وشاعت الجرائم وكثرت الأمراض، وبالتالي ارتفع عدد المهاجرين. فلماذا هذا التوجّه الشعبي؟

إنّ الحقبات التاريخية التي بدّلت النظام اللبناني، هي أربعة، حسب ما يروي الدكتور المحاضر في الجامعة اللبنانية، روني خليل، في حديث لموقع “أحوال”. تبدأ مع أحداث ثورة العام 1840، وما يُعرف بـ “عامية أنطلياس”، وتنتهي باتفاق الطائف الذي أنهى الحروب الداخلية في العام 1989.

ففي العام 1840، تضاعفت قيمة الضرائب على اللبنانيين وعانوا من أزمة اقتصادية خانقة كان لها تداعيات سلبية على الحركة التجارية. وبسبب تردّي الأوضاع، قامت ثورة داخلية، انتهت في مؤتمر لندن الذي عقدته الدول الأوروبية؛ وبنتيجة المؤتمر تغيّر النظام والحاكم آنذاك.

في مراحل لاحقة، كانت الحرب العالمية الأولى والثانية. التي فرضت حصاراً برّياً وبحرياً، وأنهكت الاقتصاد اللبناني؛ إذ انهارت العملة الذهبية وتراجعت قيمة الليرة اللبنانية. وفي نهاية الحرب العالمية الأولى، كان القرار بإنشاء لبنان الكبير. أمّا الاستقلال فكان وليد الحرب العالمية الثانية ومآسيها. وفي الحقبتين، كان للتحرّك الشعبي من جهة، وللتدخّل الخارجي من جهة ثانية، التأثير الأكبر في التعديلات والتغيرات التي طالت النظام السياسي.

تبقى الحرب اللبنانية التي اندلعت في العام 1975، الأكثر تواردًا إلى ذهن اللبنانيين، لما حملت من تبعات اقتصادية واجتماعية. أخمد اتفاق الطائف نيران الحرب اللبنانية، لكنّه أجّج النزاعات القائمة على المحاصصة الطائفية. وعلى هذا الأساس، فإنّ السلطة التي انبثقت عن اتفاق الطائف قد فشلت في إدارة البلد. وراحت تتفاقم الأزمات، من الكهرباء إلى الطاقة فالاتصالات… وصولًا للنفايات. وأدرجت كل أزمة في ملف بقي رهن التقسيمات والمحسوبيات السياسية.

الحذر من التطورات الإقليمية

هذا ما يفسّر مطالبة الشعب اللبناني الذي نزل إلى الساحات في 17 تشرين 2019، بتغيير النظام والمنظومة الحاكمة. ويعتبر الدكتور روني خليل، أنّ بعض الطروحات التي يتمّ تداولها في الفترة الأخيرة، ليست قابلة للتطبيق في لبنان، على غرار اللامركزية الموسّعة، والحياد… وغيرها من طروحات قد تتطلّب تشريعات وتدابير وإجراءات، غير أنّها أقرب إلى الواقع. وفي هذا الإطار، يلفت خليل، إلى أنّ المرحلة دقيقة، ويجب الحذر من أيّ طرح، نظرًا للتطورات الإقليمية التي تخلط الأوراق في المنطقة. وانطلاقًا من التجارب التاريخية، فلا بدّ من أن تقوم الجهة التي ستفوز بهذه المرحلة، والتي ستنتشل لبنان من محنته الحالية، بفرض بعض التعديلات على نظامه السياسي الحالي.

ناريمان شلالا

ناريمان شلالا

صحافية وإعلامية لبنانية، عملت في إعداد برامج تلفزيونية وإذاعية عديدة، محاورة وكاتبة في المجال السياسي والاقتصادي والإجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى