منوعات

سوق السلاح ينشط والفوضى تُشجع على الأمن الذاتي

هل تدفع الأزمة الحكومية الحريري إلى الإعتذار؟ 

ينحو لبنان نحو الإنهيار التدريجي من دون أي قدرة على لجمه. فالكلّ سلّم بالأمر الواقع؛ والأزمات تتزاحم مع بعضها البعض فيما الدولار يواصل تكسيره الأرقام القياسية مع ملامسته أمس الإثنين الـ 14 ألف ليرة مع توقّع خبراء اقتصاديين ببلوغه العشرين ألفاً نهاية الشهر الجاري.

أزمة الدولار فاقمت الأزمات الأخرى بشكلٍ مخيف، وأشّرَت إلى أن لحظة الحرب الاجتماعية قد دنتّ. الأسواق التجارية والسوبرماركات أقفلت أبوابها بعدما فرِغت معظم رفوفها من المواد الغذائية. محطات الوقود رفعت خراطيمها؛ الشوارع خلتّ من المارة والسيارات وتُرِكت الساحات والطرقات للمتظاهرين الذين خرجوا بالآلاف للتعبير عن سخطهم وبدا لبنان أمس بحالة حربٍ حقيقية.

وبحسب معلومات “أحوال”، فإنّ “السوبرماركات” تتجه إلى تسعير السلع بالدولار كخيارٍ وحيد يُجنّبها الإقفال التام. فأصحاب هذه المتاجر لم يعد باستطاعتهم مواكبة التغيّر المتسارع والمتواصل بسعر الصرف وتغيير الأسعار، ما سيفرُض عليهم التسعير بالدولار وبيعها بحسب سعر الصرف اليومي على صندوق المحاسبة.

قرارٌ دوليّ بتفجير لبنان

فكُلّ الأحداث تشي بأن قرار دولي – إقليمي اتخذ بتفجير لبنان منذ 17 تشرين 2019، ويبدو أنه ساري المفعول من خلال مسلسل متلاحق متدرج من الأحداث نحو الإنهيار نعيش اليوم حلقة إضافية منه من خلال استخدام سلاح الدولار لإشعال الفوضى الاجتماعية.

وتوقعت مصادر في فريق المقاومة لـ”أحوال” أن يستمر التصعيد السياسي والعقوبات المالية والاقتصادية على لبنان تنفيذاً لقرار دولي بحصار البلد وتفجيره اجتماعياً وأمنياً لفرض تنازلات من حزب الله. وتضع المصادر ارتفاع سعر صرف الدولار في إطار الإبتزاز والضغط الأقصى لفرض حكومة كما تريدها الولايات المتحدة الأميركية والسعودية، أي من دون تمثيل لحزب الله حتى بوزراء اختصاصييّن. وأوضحت المصادر أنّ الدولار لعبة سياسية ولا يعود لأسباب تقنية؛ إلا أنّ ما يزيد الأمور غموضاً وقلقاً ما تؤكده المصادر بأن أيّ من القوى السياسية من ضمنها حزب الله لا يملك حالياً رؤية أو خطة لمواجهة الوضع القائم وإنقاذ البلد، فالجميع في حالة ضياعٍ وترقب تفعيل المسارات الداخلية والمبادرات الخارجية.

السعودية نفضت يدها من الحريري

وبحسب ما تقول مصادر متابعة للملف الحكومي لـ”أحوال”، فإنّ كل المبادرات أُجهِضت من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري. فالأخير لا يريد تأليف حكومة الآن سيما بعدما تم إبلاغه من السعودية عبر وسطاء بأنهم غير معنييّن بمسار تأليف الحكومة ولا بترؤس الحريري سدة الرئاسة الثالثة. فالسعوديون بحسب المصادر نفضوا أيديهم من “ابنهم البار”. فهم يعتبرون الحريري شقّ عصا الطاعة عندما سار بالتسوية الرئاسية عام 2016 التي ساهمت في وصول مرشح حزب الله إلى الرئاسة الأولى وبالتالي انتصار للمحور الإيراني الخصم الأول للمملكة. والحريري ممنوع من الصرف سعودياً، ويدرك بأن حكومة بلا الرعاية والدعم والرضا السعودي ستكون “شيكاً” بلا رصيد وبلا دعمٍ مالي وسياسي دولي، وبالتالي سيتحمّل بنفسه تداعيات الإنفجار الكبير القادم.

ويتلاقى هذا التحليل مع ما نُقِل عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بأنه لا يريد الحريري رئيساً للحكومة ولو لف العالم كله ومعهم إسرائيل. رغم أن مصادر في تيار المستقبل نفت لـ”أحوال” هذه الإشاعات وأن يكون السعوديون طلبوا من الحريري الإعتذار.

وآخر الحلول التي سقطت في سوق المفاوضات والوساطات طرح الرئيس نبيه بري الذي قضى بأن يسمي الأخير ثلاثة أسماء لوزارة الداخلية يختار منهم عون والحريري إسماً توافقياً؛ رفض عون هذا الطرح متمسكاً بتسمية الوزراء المسيحيين ووزير الداخلية. إلا أن أوساط بعبدا تؤكد لموقعنا بأنه لم تعرض أي صيغة حكومية جديدة على رئيس الجمهورية.

إمّا يوقع عون الحكومة أو يبقى محاصراً لآخر العهد

وفيما تكشف جهات مطلعة على الأزمة اللبنانية لـ”أحوال” أن المخطط الحالي هو التصويب على رئيس الجمهورية وتحميله مسؤولية الأزمات بعرقلته تأليف الحكومة وتصويره وكأنه يأخذ البلد نحو الإنهيار والإنفجار، فإمّا يخضع ويتنازل ويوقّع على حكومة كما يريدها الحريري لكي يحمي ما تبقى من عهده ومستقبل تياره السياسي. أو يرفض فيتعرّض لحصار شديد حتى نهاية العهد وما سيرافقه من تدهور إضافي بسعر الصرف حتى 20 ألفاً؛ ما سيدفع كافة المحال التجارية والسوبرماركات والأفران إلى الإقفال وبالتالي انتشار الجوع في كافة المناطق اللبنانية مع فوضى أمنية عارمة لن تصمد أمامها القوى الأمنية والجيش اللبناني الذي ألمح قائده جوزف عون بأنّه سيبقى على الحياد. وهذا سيؤدي إلى انهيار أمني سيشمل بيئة حزب الله وحركة أمل في الضاحية والبقاع، ما سيكشف ظهر الحزب ويدفعه للمواجهة في الشارع والسياسة.

في المقابل، تقول أوساط عونية لـ”أحوال” أن “التعايش بين عون وباسيل من جهة والحريري من جهة ثانية أشبه بالمستحيل. فالثقة بين أركان تسوية 2016 سقطت لحظة استقالة الحريري في 2017”. وتنقل الأوساط أن التيار ورئيس الجمهورية اقتنعا بأن الحل الوحيد هو اعتذار الحريري وتكليف شخصية أخرى لدفع العملية السياسية والنهوض الاقتصادي إلى الأمام، وهذا ما أبلغته قيادة التيار لقيادة حزب الله وحلفائهما، إلا أن حارة حريك وعين التينة لا يزالان متمسكين بالحريري حتى الساعة ويراهنان على الربع الساعة الأخير لعله يولد الحل بعد نضوج الظروف الإقليمية والدولية.

الوضع الأمني إلى الإنفجار

الأزمة الاجتماعية بدأت تنعكس على الوضع الأمني من خلال الإشكالات التي تحصل يومياً بين المواطنين على شراء المواد المدعومة وعلى الطرقات.

وتكشف مصادر أمنية رسمية لـ”أحوال” عن زيادة نسبة الجريمة في لبنان بشكل كبير من نصب واحتيال ونسل وسرقة ومحاولات انتحار واشكالات على الطرقات وفي السوبرماركات، مع بوادر للذهاب نحو الأمن الذاتي. وعلم “أحوال” أن سوق السلاح “مسدس” و”كلاشينكوف” نشط بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة وبات تجار السلاح لا يلبون الإقبال الكثيف على شراء السلاح، ما يؤشر إلى أن الآتي أعظم والمواطن فقد الثقة بالقوى الأمنية ويتجه إلى حماية نفسه بنفسه.

محمّد حميّة

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى