منوعات

تجفيف العملة الخضراء: مخطّط سياسي بفرم العملات الوطنية

يتزامن تدحرجُ العُملات الوطنية في الإقليم، بشكل يؤكّد أنّ العوامل الداخلية لا في لبنان ولا في سوريا هي المسؤولة وحدها عن تدهور قيمة اللّيرة في البلدين.

تواجه دمشق حربًا طاحنة منذ عشر سنوات، كان أبرز ضحاياها الاقتصاد السوري بعد التدمير الذي مارسته المجموعات المسلّحة، وتنفيذ أجندة تركية شمالًا وشرقًا بنهب وضرب مصانع حلب، مما زاد في التصويب على العملة السورية. أمّا الاقتصاد اللّبناني الذي يعتمد تاريخيًا على المال السياسي، فيرتكز على الاستيراد لا الإنتاج، وعندما شحّت الموارد السياسية وضاعت الإيداعات المالية في لعبة المصارف، في ظل توسّع مساحات الصراع بين القوى الداخلية والحسابات الإقليمية فيه، تهاوت اللّيرة اللبنانية.

صحيح أنّ الاقتصادين السوري واللّبناني يتأثران ببعضهما، خصوصًا أنّ المودعين السوريين خسروا مليارات الدولارات المجمّدة حاليًا في المصارف اللّبنانية، ليأتي “قانون قيصر” ويقطع ما تبقى من شرايين مالية واقتصادية لسوريا ويطيح بصمود عملتها، لكن الخطة الغربية المعدّة لمحور إقليمي تقضي بحصار ونسف اقتصاد أيّ دولة “ممانعة”. ومن هنا تندرج كلّ الخطوات التي تسحب الدولار من الأسواق الإقليمية: العراق، سوريا، لبنان وغيرها.

 

كيف تتم الترجمة؟

يتورط مصرفيون لبنانيون، ورجال أعمال سوريون ولبنانيون بلعبة تجفيف العملة الخضراء، من خلال شراء كل ما يتواجد في السوق. مهما ضخّ المصرف المركزي السوري أو اللّبناني من دولارات سوف يبتلعها التجّار خلال ساعات. هذا ما حصل في دمشق وبيروت خلال الساعات الماضية، مما زاد من حجم الطلب على الدولار، فرفع سعره مقابل انخفاض سعر اللّيرة في كلا البلدين. ثم جاء قرار بغداد بعدم ضخ عملة صعبة في السوق العراقي، ليزيد من حجم التجفيف الإقليمي من العملة الخضراء.

لا يُمكن فصل السياسة الدولية عما هو حاصل: هناك قرار بفرض شروط عجزت الوسائل العسكرية والسبل السياسية عن فرضها في الإقليم، بالتزامن مع الحراك الروسي القائم لتقريب وجهات النظر بين الدول الإقليمية وصياغة تفاهمات سياسية لإيجاد استقرار يحنّ إليه الإقليم منذ عقد من الزمن. ويزيد الصراع بين الجبابرة: الروس والأميركيين والصينيين، من الكباش القائم بشأن مسار وتموضعات الإقليم، فينعكس أيضًا تاثيرًا سلبيًا في وزن العملات الإقليمية. قد يهتز الجنيه المصري مجددًا ايضًا، لأنّ القاهرة تسلك طريقًا سياسيًا دوليًا لا ترضى عنه واشنطن.

لذا، سنكون أمام معارك تتداخل فيها الحسابات الدولية والإقليمية، مع تواطؤ تجّار المال ورجال الأعمال، والنتيجة أيام مقلقة للغاية في زمن صعب.

 

 

 

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى