منوعات

ملف الحكومة: الحريري يماطل وبرّي يعاود تشغيل محرّكاته

الأسوأ من التناحر السياسي والمواجهات في مختلف المحطّات هو القطيعة والتنافر، ولا سيّما حين يكون البلد على كفِّ عفاريت، لا عفريت واحد. هل تعلم أيّها المواطن الذي نُهبت أموالُه المودعة في المصارف، ومُسحت الأرض بسعر صرف عملته الوطنية، وصُدّرت موادُه الغذائية المدعومة – كما أمواله – إلى الخارج، وسيصاب بفيروس كورونا أو حتى يموت به قبل أن تصل حصته من اللّقاحات المضادة لكوفيد تسعة عشر، هل تعلم أنّ آخر لقاءٍ جرى بين الطرفين المعنيّين مباشرةً بحلّ أزمة تشكيل الحكومة أي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري كان منذ أكثر من شهر؟.

مبادراتٌ، ومساعٍ، وزياراتٌ، والنتيجة صفر تقدّم. فالتّيار الوطني الحرّ ومعه كلُّ مواطنٍ لبناني ضاق ذرعاً بدولةٍ تشبه كلّ شيء إلّا الدولة بمفهومها الحقيقي يسأل “إلى متى سيظلّ دولة الرئيس المكلّف يحتجز في جيبه وكالة مجلس النواب من دون تنفيذ إرادة الناس بتشكيل حكومة إصلاحية وقادرة بوزرائها وبرنامجها؟”، وترى الهيئة السياسية في التيّار أنّ التمادي في عدم تشكيل الحكومة هو نوع من استغلال الصلاحيّة الدستوريّة وحرفِها عن غاياتها، ما يطرح أسئلةً حول نوايا الرئيس المكلّف وأسباب عدم قيامه بواجبه والخيارات الممكنة لمواجهة التعنّت غير المبرّر.

آخر لقاءٍ جرى بين عون والحريري كان منذ أكثر من شهر!

في المقلب الآخر، يعتبر الحريري أنّ حديث رئيس التيار جبران باسيل عن عدم إعطاء الثقة لحكومة لا تحترم معايير الدستور والشراكة وفق تعبيره، ينسف ما اتفق عليه سابقاً الرئيس المكلّف مع رئيس الجمهورية بأن تكون حصته 6 وزراء (خمسة زائداً واحداً).

قرار الحريري: المماطلة

من هنا يبدو واضحاً أنّ قرار الحريري بالمماطلة وعدم تشكيل الحكومة لم يتغيّر لأسبابٍ باتت معلومةً للقاصي والدّاني، فالإيجابية التي أبدتها بعبدا في ما يتعلّق بمبادرة المدير العام للأمن العام اللّواء عباس إبراهيم الأخيرة، لم تؤدِ إلى فكّ شيفرة التعطيل، إذ أغمض الحريري عينيه وأغلق أذنيه عنها ونفى تبلّغه رسميّاً بها، رغم أنّ مصادر خاصّة أكّدت لـ”أحوال” أنّ الأخير تبلّغ من اللّواء إبراهيم هذا المسعى الذي يقضي بأن تتكوّن الحكومة العتيدة من 18 وزيراً فقط (وهو ما يريده)، من دون ثلثٍ ضامنٍ لأيّ طرف، وأن يتم اختيار وزير الداخلية بالتّوافق بين رئيس الجمهورية والرّئيس المكلّف.

هذا المسعى كان ليحقق مطالب الحريري كاملةً، ولا سيّما أنّه لم يكن قد مانع في السّابق إعطاء حقيبتي الداخلية والعدل لرئيس الجمهورية، إلّا أنّ المبادرة جُمّدت مع تجميد اللّواء ابراهيم تحرّكه على خطِّ تقريب وجهات النّظر بين بعبدا وبيت الوسط، في حين تشير المعلومات المتداولة إلى أنّ رئيس مجلس النّواب نبيه برّي سيعاود تشغيل المحرّكات بمبادرةٍ لا تختلف بنودها كثيراً في المضمون عن سابقتها.

بالتوازي مع التخبّط الداخلي في ملف تشكيل الحكومة، التقى الحريري في آخر جولاته الخارجية وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أبو ظبي بحضور مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف. وما اتضح من اللّقاء أنّ موسكو لن ترعى مبادرةً تختلف عن المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في حين أنّها تدعم تشكيل حكومة تكنوقراط من 18 وزيراً برئاسة الحريري من دون حصول أيّ طرف على الثلث الضامن وتنصح بضرورة الإسراع في التشكيل.

زيارة وفد حزب الله إلى موسكو لا ترتبط مباشرةً بملف تشكيل الحكومة

وفي هذا الإطار، يعوّل مراقبون على زيارة وفدٍ من حزب الله برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد إلى موسكو بدعوةٍ من وزارة الخارجية الروسية. الزيارة بدأت مساء الأحد وتستمر لثلاثة أيامٍ يلتقي خلالها الوفد مسؤولي وزارة الخارجية ومجلسيّ الدوما والاتحاد في الجمعية الاتحادية الروسية لتبادل وجهات النظر حول آخر التطورات في لبنان والمنطقة، أيّ أنّ الزيارة لا ترتبط مباشرةً بملف تشكيل الحكومة، إذ سيكون على طاولة المباحثات ملفات أشمل، منها الوضع في سوريا، مع الحرص الروسي غير المخفي على الاستقرار في لبنان وانعكاسه على موضوع النازحين السوريين.

هي زيارةٌ مهمّة، ولعلّها تشكّل قفزةً استراتيجيةً في العلاقة بين الطّرفين، إلّا أنّ فكرةَ أن تضغط موسكو على حزب الله ليضغط بدوره على حليفه رئيس الجمهورية من أجل تقديم تنازلات في ملف تشكيل الحكومة تراعي ظروف الحريري وتحقق آماله، فبعيدةٌ كلّ البعد عن طبيعة العلاقة بينهما، وعن قرار الحزب القاضي بعدم الضغط على رئيس الجمهورية حتى ولو كان ذلك بناءً على طلب الحريري من الرّوس.

 

آلاء ترشيشي

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى