منوعات

روسيا ترسم المشهد الإقليمي… هل يتفرج الأميركيون؟

تصرّف الاتحاد الروسي بحذر في تعاطيه مع دول الإقليم، لأسباب أوّلها ارتباط معظم تلك الدول بالولايات المتحدة الأميركية. لكن متغيّرات فرضتها الأزمة السورية بعد عام 2011، دفعت موسكو إلى التقدم خطوات مدروسة. وبمجرد أن نجح الروس في عملية مؤازرة الدولة السورية عسكريًا وسياسيًا ضد أعدائها، تألّ ق الدور الروسي في الإقليم، وبدأت الحكاية.

لم يقتصر التمدّد الروسي هنا، بل تسعى موسكو إلى فرض تواجدها ونفوذها في أكثر من اتجاه. وهو أمر يستفز الأميركيين كما أظهرت مطالعة وزير خارجيتهم انطوني بلينكن خلال جلسة الاستماع في مجلس النواب الأميركي، فعبّر بكلّ وضوح عن “القلق إزاء تواجد روسيا في فنزويلا وعودتها إلى كوبا”، وردًّا على سؤال عن “الدور الروسي في النصف الغربي من الكرة الأرضية”، قال: “أنا أشارك هذا القلق”. ممّا يعني أنّ الأميركيين لا يتوقف الامتعاض لديهم من التوسع الروسي في الشرق، بل يقلقهم تنامي الوجود الروسي في الغرب.

لا يوحي ذلك أنّ واشنطن ستتفرّج على تنامي الدور الروسي في الشرق، لكن من المؤكد أنّها ستحاول إجهاضه بكلّ الوسائل غربًا، وهي ستزيد من محاولات صدّ المشروع الروسي بأيّ اتجاه. لكنّ الأولوية الأميركية هي غربًا قبل الشرق.  خصوصًا أنّ الأميركيين هم من قرّر الانسحاب من إقليم مشتعل لا يفيد: فمن جهةٍ لم يعد النفط هدفًا كما كان في العقود الماضية، ومن جهة أخرى لم تعد إسرائيل تحتاج لدعم عسكري مباشر بعد قيامها بعدد من الاتفاقيات مع دول عربية علنًا وسرًّا، بالإضافة إلى أنّ الأميركيين ليسوا مستعدّين لتقديم “تضحيات” بشرية ومالية هنا. الأهم أنّ واشنطن تعتمد على خلافات عناصر الإقليم ذات الأبعاد الطائفية والتطرف الذين سيحاربون أي نفوذ محلي ناشئ أو مستورد.

في المقابل، تلعب موسكو دور الوسيط الذي تربطه علاقات طيّبة مع كل عناصر الإقليم، باستثناء مجموعات التطرف الإسلامي التي تتبادل معها النزاع المباشر على أرض الاتحاد الروسي وفي سوريا وجيرانها. تتقدّم موسكو لتقريب المسافات بشأن سوريا أوّلًا، ومن هنا تكتسب لقاءات وزير خارجيتها سيرغي لافروف أهمية في عواصم خليجية، تمهيدًا لوضع قواعد اشتباك جديدة في شمال وشرق سوريا. تستطيع روسيا بمؤازرة كلّ من السعودية والإمارات توجيه الكرد للعودة إلى حضن الدولة السورية. كما تقدر روسيا على ضبط اندفاعة تركيا باتجاه دول عربية انطلاقًا من سوريا.

الروس هم وسطاء قادرون على رسم معادلات جديدة في الإقليم بفعل علاقاتهم المفتوحة مع الدول العربية والإيرانيين والأتراك والإسرائيليين، وبفضل دعم صيني للسياسات الروسية للحدّ من النفوذ الأميركي في أيّ ساحة دولية ممكنة.

لذا، فإنّ ما جرى في أبوظبي والرياض قبل الدوحة يمهّد لمشهد إقليمي تحاول إسرائيل أن تكون في صلبه، بدليل زيارة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى الإمارات. كما أنّ لإيران مصلحة في دعم الدور الروسي بعدما خاض الإيرانيون والروس معًا معمودية الدم في سوريا جنبًا إلى جنب. بدورها تحتاج  الدول العربية إلى تعزيز دور موسكو لبتّ ملفات الصراع في اليمن وليبيا إضافة إلى سوريا.

وإذا كانت المساعي ناشطة، فهل تريد أو تستطيع أن تخربها الدولة الأميركية العميقة؟ فلننتظر بضعة أسابيع لرصد المسار.

 

 

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى