منوعات

الدولة السائبة تُعلّم الحرام… والفوضى

بدل أن يكون الشارع وسيلة ضغط في اتجاه إيجاد حلول للأزمة السياسية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان، تحوّل خلال الأيّام الماضية إلى مشكلة اضافية وأصبح ورقة ضغط على الناس، وليس على السلطة كما يُفترض أن يكون دوره.
هكذا، اختلط حابل الحسابات السياسية بنابل الهموم الشعبية في الطرقات، وتلطّى أصحاب الأجندات والمصالح خلف دخان الإطارات المشتعلة وألم المواطنين المكتوين بجمر المعاناة المعيشية، قبل أن يقرّر الجيش التدخّل وإنهاء فترة السّماح التي منحها للمحتجين.
وخلافاً لمشهد 17 تشرين الذي صنعه المواطنون العاديون قبل أن تصادره لاحقاً قوى سياسية، بدا منذ البداية ان تحرّك آذار هو مختلف هذه المرة، إذ غاب عنه الحشد الجماهيري وتحكم بأزراره ووجهته محتجون حزبيون او مناصرون لأحزاب، إلى جانب مشاركة خجولة من صفوف “الأكثرية الصامتة”.
لم يكن خافيا انه جرت في الأيام الماضية محاولات لتوظيف سلاح تقطيع الأوصال، خصوصا في الوسط المسيحي، من أجل محاصرة الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر وشد الخناق عليهما، في إطار تصفية الحسابات بين القوات اللبنانية وحزب الكتائب من جهة والعهد وتياره من جهة أخرى.
ومن يدقق في جغرافيا الاحتجاجات على مستوى البيئة المسيحية والمناطق التي قطعت فيها الطرقات عبر حواجز مموّهة، يشعر بأنّ التّاريخ يعيد نفسه مع بعض التعديلات وبأنّ المواجهة بين العونيين و”القوات” خصوصاً مستمرة باشكال مختلفة، منذ عام 1989 حتى اليوم، اما مصالحة معراب فلم تكن سوى الاستثناء الذي كرّس القاعدة ولم يلغها.
وحدود المسؤولية عن “شغب” الأرض لا تتوقف عند معراب بالنسبة إلى اوساط في التيار الحر ، بل هي اتهمت ايضا تيار المستقبل وحركة امل بالمشاركة في محاولة الانقضاض على العهد عبر التحركات التي حصلت في مناطق نفوذهما، بهدف لي ذراعي الرئيس عون والنائب جبران باسيل ودفعهما الى التراجع عن سقفهما السياسي والقبول بالحكومة المعروضة عليهما.
لكن “امل” نفت بشدة اي مسؤولية لها عن المظاهر الاحتجاجية التي سُجلت في الضاحية وبعض مناطق الجنوب، فيما نُقل عن الرئيس نبيه بري قوله ان لا أحد يقطع الطريق على نفسه، جازما بأن ليست لحركة امل اي علاقة بما جرى على الارض.
كذلك، ينفي تيار المستقبل اي مشاركة له في قطع اوتوستراد الجنوب، حيث يؤكد احد كوادره الميدانيين الأساسيين ان “المستقبل” يدرك تماما حساسية هذا الشريان الحيوي والتداعيات التي يمكن أن تترتب على قطعه. اكثر من ذلك، يتبرأ هذا المسؤول التنظيمي أيضا مما حصل من إغلاق لعدد من شوارع العاصمة، مشيرا الى ان تياره يعرف بالاسماء والارتباطات هويات الأشخاص الذين اقدموا على ذلك، ملمحا الى ان بعضهم من أنصار شخصية سنية قررت اخيرا الانخراط في اللعبة الداخلية.
وبمعزل عمن يحاول استثمار معاناة الناس وحراك الشارع لتنفيذ أجندته، فإن الواضح هو أن الخواء السياسي الحالي يستدرج عروض الفوضى التي تملأ شيئا فشيئا الفراغ الناتج عن الاخفاق المستمر في تشكيل الحكومة بالترافق مع انهيار اجتماعي، وبالتالي فإن هذا الواقع بات يشكّل بيئة جاذبة لكل من يريد الاستثمار فيه لغايات سياسية او لتوجيه الرسائل، إذ انّ الرزق السائب يُعلّم الحرام فكيف اذا كانت الدولة بمجملها سائبة كما هي في هذه المرحلة من انعدام الوزن.
من هنا، يغدو صعود سعر الدولار صدى طبيعيا لواد سحيق، وبالتالي فإن كل علاج يركز على التعامل مع النتائج دون الأسباب سيكون كناية عن هروب الى الامام ليس إلا.
وعلى هذا الاساس، تعتبر اوساط مالية ان التدابير التي أتخذها الاجتماع الاقتصادي- الامني في قصر بعبدا غير مجدية ولا تنفع لوحدها في تخفيض سعر الدولار، لأنها تحاكي العوارض الجانبية وليس اصل المرض، لافتة إلى ان التجارب في عدد من دول العالم التي مرّت في أزمات مشابهة أظهرت أنّ الوسائل القمعية والبوليسية ليست الحل في مثل هذه الظروف، بل هي تزيد من طلب التجار على العملة الخضراء في زوايا السوق السوداء.
وتشدد الاوساط على أنّ المدخل الإلزامي الى الشفاء الأقتصادي المتدرّج هو تشكيل حكومة توحي بالثقة وتتحلى بالصدقية، لتكون قادرة على تحقيق الإصلاحات المطلوبة واستقطاب المساعدات من المجتمع الدولي.

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى