منوعات

ميشال عون لم يخض كلّ المعارك السّابقة كي يخسر هذه

في وقت الأزمات، ميشال عون “يجوهر”.هكذا يقول جميع عارفيه، ليس منذ اليوم فحسب، بل منذ أيّام المعارك العسكريّة، قبل رئاسة الحكومة وخلالها.

واذا كان بعض الخصوم يأخذ عليه أنّه سريع الانفعال والغضب أحياناً، فهو عندما “تحز المحزوزية” أكثر الهادئين، إذ تبرز فيه الصّفات القياديّة التي جعلته في تاريخه العسكري موضع ثقة العسكريين، وفي تاريخه السّياسي موضع حسد السياسيين.

اليوم لبنان في أزمة. أزمة قد تكون الأصعب في تاريخه. أصعب من الحرب العسكرية وأصعب من كل الحروب السياسية على مدى عقود.

اليوم، كل مواطن مهدّد في حياته. في رزقه وماله، في مأكله ومشربه… وفي مستقبل أولاده.

هذا الواقع يعيشه ميشال عون في كلّ أيّامه، بل في كل لحظة من كل يوم. هموم الناس همومه. يدركها جيداً، لكنه يدرك أيضاً أنّه ليس السّبب.

“بالي مشغول بس ضميري مرتاح”. كم من مرة سمع زوّاره هذه العبارة منه مباشرة قبل كورونا، ومن خلال الهاتف بعد تفشي الوباء… هو الذي لا يتوانى عن إجراء الاتصالات بالجميع، من الكبير إلى الصغير، مفاجئاً إيّاهم بفتح النقاش حول أدق التفاصيل، مروراً حتى ببعض ما يتداول على مواقع التواصل.

“بالي مشغول بس ضميري مرتاح”. عبارة لا يرددها ميشال عون متنصّلاً من مسؤولياته، أو هارباً منها كما يفعل آخرون.

فمن يعرف الرّجل جيداً، يعرف أنّه يقولها ليفهم سامعيه أنّه هنا، موجود ومتابع وحاضر، لا كما يروّج سيّئو النّوايا، كما أنّه لا يعيش حالة إنكار، كما يسوّق كارهوه… والأهم أنّه مصمم على التحدّي.

ففي قاموس ميشال عون “بالي مشغول” لا تعني “مستسلم”، و”ضميري مرتاح” تعني أنّه مصمّم على مواجهة “المسؤولين” عمّا جرى حتى النهاية.

“فأنا اتيت لأحدث التغيير الذي ينشده اللبنانيون ولن أتراجع، وماضٍ في برنامجي الإصلاحي مهما بلغت الضّغوط” على ما أبلغ المجتمعين في بعبدا خلال الاجتماع الأمني والمالي أمس الاثنين.

في الأيّام الأخيرة، عادت التحرّكات على الأرض، كاشفة عن وجهها الحزبي، على وقع انسداد الأفق الحكومي.

أمام هذا الواقع الذي استجد بعد انتهاء الإقفال العام بسبب كورونا، وبفعل الارتفاع السياسي المطرد لسعر صرف الدولار، ميشال عون حركة لا تهدأ. لقاءات واتصالات تصل الليل بالنهار، جزؤها اليسير تحت أضواء الإعلام.

الشق المعيشي اليومي من الأزمة أساسي ويجب أن يعمل المستحيل لتخفيف أعبائه على المواطنين. أمّا الخلاص الفعلي والنهائي من الأزمة على المدى البعيد، فعنوانه الوحيد لديه لا يزال هو الإصلاح… وعنوان الإصلاح في مفهومه هذه الأيام هو التدقيق الجنائي، ثم القوانين الإصلاحية التي يجب أن تقرّ وتطبّق، تزامناً مع حث القضاء على أداء دوره والهيئات الرقابية على تحّمل المسؤوليّة وكشف المقصّرين وفضحهم. لكن البداية والنهاية عنده هي التدقيق.

التدقيق الذي يفعلون كل شيء لوقفه. فالحكومة التي يريدونها ستدفن التدقيق. والتسويات السياسية التي يطرحونها في الخفاء لا يجمع بينها إلا قتل التدقيق وإخفاء الجثة. أمّا قطع الطرق من قبل الأحزاب الخمسة التي عرقلت كل شيء، فلا يصب إلا في خدمة هذا الهدف غير النبيل.

نحن لسنا كالآخرين، لأننا إصلاحيون وميثاقيون. فكرة أساسية بالنسبة إليه. أمّا الآخرون، فلا عمل لهم إلا خنق كل محاولة إصلاحية، وفي طريقهم يضربون الميثاق، وفق منطق “العصفورين بحجر واحد”.

كل الاحتمالات تبدو واردة لدى ميشال عون اليوم إلا خسارة المعركة الأخيرة. فهو لم يخض كل المعارك السابقة كي يخسر في هذه… خصوصاً أنّ خسارته خسارة للبنانيين ولفكرة الدولة، تماماً كما أنّ انتصاره متى تحقّق، لن يستفيد منه هو، بل كل اللبنانيين الذين خدعوهم مراراً في السّابق فصدقوا. أمّا اليوم، فلا الخديعة قابلة للتصديق، ولا اللبنانيون على المدى الأبعد من يوميات الاحتجاجات المسيّسة سيصدقون.

على الجميع أن يراجعوا حساباتهم هذه المرّة يقول عارفو الرجل.

في السابق، أي قبل 17 تشرين الاول 2019، كان يقال له “طرّيها”، عسانا نتفادى الانهيار الكبير، ونحقق شيئاً من الإصلاح وفق معادلة “خذ وطالب”.

أمّا وقد صرنا في قلب الانهيار، فما مبرّر التراجع والانكسار والاستسلام؟ وما الدافع إلى “الترقيع”؟ فهل يمكن أن يحصل أكثر ممّا حصل؟

فلتكن الأزمة فرصةً لبناء أسسٍ ثابتة هذه المرّة. والأسس الثابتة لا تبنيها سياسات بالية واجِهتها اليوم رئيس الحكومة المكلف، أمّا قواها العميقة فتكشف عن نفسها يومياً أمام عدسات الكاميرات على الطرقات.

جاد أبو جودة

صحافي. مدير الاخبار في قناة الـ OTV.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى