حقوق

نساء لبنان غارقات في متاهة القوانين!

“ما كان ناقص النسوان غير يوم عالمي”، “صاروا الرجال بدّن حقوقن”، “بيخلص اليوم العالمي للمرأة وبيرجعوا النسوان عالمطبخ”، “كيف يعني مساواة؟ هلّق المرا فيها تصير رجّال؟”… جميعها مصطلحات اعتادت النساء اللبنانيات سماعها من أصدقائهنّ، أزواجهنّ، أهلهنّ، وأرباب عملهنّ. هي مصطلحات ورثها بعض “الذكور” من نظامنا الأبوي الذي اعتاد على “إرضاخ” المرأة، لتصبح أي محاولة منها للتحرّر من القيود والمطالبة بحقوقها، بمثابة انقلاب على الرجل وتهديد لسلطته.

وفي الوقت الذي يعتبر معظم الرجال أنّ النساء في لبنان حاصلات على حقوقهن كاملة ولا يحتجن للمطالبة بالمساواة، ترى المحامية في “جمعية كفى”، ليلى عواضة، في حديث لـ”أحوال” أنّ الوعي “المجتمعي” حول قضايا النساء سابق للوعي “التشريعي”، فالدولة لم تضع بعد خطّة تشريعية لحماية حقوق النساء في لبنان، متمسّكة بالسلطة الأبوية والذكورية وحاصرة السلطة بيد الرجل، إذ تعتبر -الدولة- أنّ منح المرأة أيّ حقّ هو إنقاص من حقوق الرجل ومسّ بسلطته، وكأنّها مسابقة بين الجنسين، “لذا، فإن تغيير القوانين يحتاج إلى نيّة وقرار سياسي وتشريعي”.

في هذا السياق، تلفت عواضة إلى أنّ القوانين اللبنانية تعاني من ثغرات كثيرة، فهي ضعيفة ولا تؤمّن حماية فعّالة للنساء، كونها انعكاس لعقلية وذهنية المشرّع الذكورية، “وأيّ تمييز في هذه القوانين سيؤثّر على ممارسة المرأة لأحد حقوقها”. وتضيف: “فالحقوق المدنية مترابطة مع الحقوق السياسية وحقوق الأحوال الشخصية التي تُعتبر “معقل” التمييز الجنسي بين المرأة والرجل، إذ تتعرّض للفرد بشكل شخصي”، مشيرة بالمقابل إلى أنّ قوانين الأحوال الشخصية في لبنان تصوّر المرأة كـ”فاقدة للأهلية ولسلطتها على ذاتها وأولادها”، فهي -المرأة- لا تملك خانة مستقلّة كفرد، بل يتمّ تسجيلها إمّا على خانة زوجها أو على خانة والدها، وبالتالي “لا اعتراف” بها كفرد مستقل لديه حقوق.

من هنا، تؤكد المحامية عواضة أن الأحوال الشخصية مرتبطة بتسجيل النفوس والجنسية والزواج ومفاعيله، وكذلك الطلاق والوصاية والتبنّي والإرث، لذا يرى البعض أن النساء لا تُعتبر “راشدة” في هذا المجال، مستشهدة بالنساء اللآتي فقدن أزواجهنّ في انفجار 4 آب، ولا يزلن حتى اليوم -أي بعد انقضاء 6 أشهر- عاجزات عن أخذ حقّ الوصاية على أولادهن، بسبب المنافسة الموجودة من قبل أهل الزوج، “فالأحقية في الوصاية، وفق قوانين الأحوال الشخصية، تعود لعائلة الأب”.

وانطلاقًا من ذلك، تسأل عواضة في حديثها لموقعنا: “إذا كانت المرأة لا تملك السلطة على حياتها الشخصية، فكيف ستكون فعّالة بمشاركتها في الحياة السياسية؟”، لافتة إلى أن هذه القوانين تفرض عليها الطاعة لزوجها، وبالتالي في حال رفضت المرأة “الطاعة”، تُعتبر حينها “شاذة” وقد تخسر حق الوصاية أو المهر وغيرها من الحقوق.

ومن ظواهر التمييز بين المرأة والرجل، تذكر المحامية عواضة “القضايا الجنسية” التي لا تخصّ الضحية وحدها في لبنان، بل المجتمع ككل، حيث تُعتبر مسألة “غشاء البكارة” أو “العلاقات الجنسية” قضايا تمسّ بالآداب العامة، وجميعها مرتبط بفكرة السترة والأخلاق والعادات والتقاليد، “وهذه المصطلحات غير معرفة قانونيًا”، وفق عواضة، مضيفة: “فيتم وصف الفعل بـ”الجرائم التي تمسّ بالآداب العامة”، أو “الفحشاء” أو “مكابدة الفساد”، أو “عمل مخلّ بالحياء”، أو “الغش الزوجي”، فأين تعريف هذا الجرم وأين حدوده؟ حتى أنه ما من تعريف واضح للاغتصاب”.

من جهة أخرى، تسلّط عواضة الضوء، في حديثها لـ”أحوال”، على “قانون العمل” في لبنان الذي طُوّر كثيرًا في المؤسسات العامة، إلّا أنّه أبقى على العديد من الثغرات في المؤسسات الخاصة، إذ من المؤكّد وجود تمييز من ناحية المساواة في الأجور، صرف النساء الحوامل، توقيف الضمان، التحرّش بالموظفات، الاشتراط على المرأة أن تكون عزباء للسماح لها بمزاولة العمل وغيرها، “وذلك عبر اتفاق شخصي وهو “شرط باطل”، إلا أن كلّ ما سبق يصعب إثباته، للأسف”.

أما عن أشكال العنف الممارَسة ضد النساء، فتعتبر عواضة أنّ “سياساتنا التشريعية “عقابية”، حيث نفكّر بكيفية معاقبة وليس بآلية حماية الضحية”، مضيفة: “وعلى سبيل المثال، نذكر قانون “تجريم التحرش الجنسي” الذي لا يتضمّن آلية لحماية المرأة أو إبعاد المتحرش عنها ومنعه من التعرض لها بعد تقدّمها بالشكوى، بل يقع عبء إثبات فعل التحرش على الضحية التي ستضطر إلى استدراج المتحرش والتعرّض للتحرّش مرّة أخرى، لتسجيل كلامه”.

وفي الختام، تشدد عواضة على أنّ المشرّع لا يقرّ القوانين عن إيمان وقناعة، إنّما تحت ضغط مطلبي ودولي، علمًا أنّ لبنان وقّع على اتفاقية “فيداو” للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء، ما يفرض على الدولة اللبنانية تقديم تقرير كل 4 سنوات حول القوانين التي شرعت في هذا المجال.

يبقى النضال في سبيل المساواة بالحقوق بين المرأة والرجل في لبنان طويلًا، فتحقيق المساواة يحتاج إلى تغيير جذري في التربية والمفاهيم والثقافة، وفي نظرة المجتمع للمرأة ولأدوار كلا الجنسين، وصولًا إلى إقرار قوانين عادلة تؤمّن الحماية المطلوبة للنساء في مجتمعنا من التحرّش والاغتصاب والعنف وشتى أنواع التمييز.

وبانتظار إحقاق الهدف المنشود، تُعنّف نساء حتى الموت، وتُغتصب أخريات وتُحرم من أولادها وتُطرد بشكل تعسفي من وظائفها، وتضطر لتقديم التنازلات لتأمين لقمة عيشها، غارقة في متاهة قوانين تحمي المعنّف والمغتصب والمتحرّش، وتدينها.

باولا عطية

باولا عطية

كاتبة وصحافية لبنانية. تحمل شهادة الماجستير في الإعلام الاقتصادي والتنموي والإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. والإجازة في الصحافة والتواصل من جامعة الروح القدس الكسليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى