مجتمع

مصرف لبنان يحجب تبرعات مغتربة لمتضرريي مرفأ بيروت

ويلات المصارف تكاد لا تعرف نهاية؛ وكأنّه لا يكفي احتجازها لأموال المودعين، أو تخوّف اللبنانيين من محاولة مصرف لبنان للسيطرة على أكبر قدر من الدولارات التي تدخل البلد، بما في ذلك القرض من البنك الدولي المرصود للعائلات الأكثر فقراً، وتوزيع الأموال بالليرة اللبنانية؛ حتى يتم السيطرة على أموال من تبرعات فردية لضحايا انفجار بيروت. فما هي القصة؟

“تروما” 4 آب على اللبناني المغترب

عشية 4 آب حفرت في ذاكرة اللبنانيين منذ الساعة السادسة؛  وهذا كان حال يارا كمال الدين، اللبنانية المغتربة التي تعيش في اليابان، إذ أصابها الهلع واجتاحها الغضب كسائر المواطنين. لكن كان ليارا منظور آخر للانفجار؛ إذ سعت للّم التبرعات للمتضرّرين. منذ تلك اللحظة، عرفت يارا التحديات التي تنتظرها… لكنها حتماً لم تعتقد أنّها ستواجه “هول” السرقة _ “عينك بنت عينك”.

أُولى التحديات التي واجهتها أنّها لا يمكن إرسال الأموال عبر paypal  ولا يمكن إنشاء gofundme ولا crowdfunding. وبعد البحث المتكرر وجدت يارا وأصدقاؤها طريقة gogetfunding ؛ ورغم ذلك لم يكن باستطاعتها الاستفادة من المصارف اليابانية بسهولة بسبب تشددها اتجاه لبنان على خلفية قضية كارلوس غصن. حتى أنّ المتبرعة الشابة  لم تجد أي مصرف يتقبّل معاملة مالية مع لبنان. وبعد محاولات عديدة استطاعت يارا وأصدقاؤها إيجاد بنك “راكوتين”، الذي قبل الإيداع لتحويل التبرعات إلى لبنان.

مصرف لبنان يستولي على التبرعات

بعد أكثر من 15 يوماً على إرساله، وصل التحويل إلى أحد المصارف في لبنان؛ ولكن هنا كانت مفاجأة من نوع أخر بالانتظار، حيث أنَّ المبلغ الذي تم إيداعه في الحساب كان بالليرة اللبنانية وعلى سعر الصرف الرسمي (1500). المبلغ  المرسل كان 4456.01$ فيما وصل بقيمة 6160000 ليرة لبنانية.

من هنا، باشرت المغتربة اللبنانية الاتصالات لمعرفة كيف حصل ذلك. تبيّن أنَّ المشكلة من مصرف لبنان. ولدى اتصال الفتاة بالمصرف المركزي لمتابعة الموضوع، تم تعليق “يارا” بين سلسلة انتظارات ثم قُطعت المكالمة، لتعاود الاتصال من جديد وتخبرهم عن المخالفات القانونية التي حصلت بعد استشارتها مكتب محاماة في اليابان؛ من جديد قُطع الاتصال.

فعاودت الاتصال، وهنا رد الموظف أنّه يجب إرسال رسالة خطية من البنك إلى المصرف وأغلق الهاتف مجدداً. اتصلت مرة جديدة ونفس الموظف بدأ بالصراخ والشتم. هنا لوّحت له  يارا باتخاذ تدابير قانونية بحقه شخصياً، ليعود ويقطع الاتصال. بعدها تواصلت المغتربة اللبنانية مع الإنتربول وأرسلت لهم الملفات.

وبعدها اتجهت إلى تطبيق فايسبوك ونشرت ما حصل معها هي،لتعود إليها الأموال إلى اليابان مع نقص 400$ كتعرفة على التحويل.

نموذج مشرّف للمغتربين

تنحدر يارا من عائلة مكوّنة من أطباء ولطالما اهتمت بمساعدة الناس المحتاجة والحيوانات، لدرجة أنَّ عائلتها أطلقت عليها لقب “Love bug”، وتعيش في منطقة هوكايدو في اليابان وقد ذاع صيت الفتاة “الغريبة عن البلد” بأعمالها الإنسانية. وكانت البداية عام 2004، عندما ضرب زلزال شويستو في نيغاتا، حيث غادرت عملها وذهبت للتطوّع والمساعدة وخيّمت مع المئات من المتطوعين على نهر شينانو، واهتموا بالأطفال وساعدوا بإعادة البناء.

وقد برزت أيضاً خلال زلزل توهوكو الشهير عام 2011 الذي تسبب بالتسريب الإشعاعي من معمل فوكوشيما النووي. لم تستطع هذه المرة المساعدة المباشرة بسبب أمور تقنية، ولكن عملت مع الأطفال وجمعت التبرعات، ثم توجّهت إلى ميتم أوفوناتو وساعدت في أعمال البناء والعمل مع الأطفال. وفي عام 2013 بعد اعصار يولاندا في الفيليبين، استطاعت يارا جمع تبرعات من أجل جزر دوونغ التي كانت قد زارتها سابقاً، وقد استطاعت مع أخرين إنشاء ملجأ للكلاب في جزيرة بانتيان حيث تم إنقاذ العديد من الكلاب وحمايتها.

عام 2018 ضرب زلزال هوكايدو، ورغم أنّها في البداية علقت في شقتها إلا أنَّ “الأكشن” اللبناني المعتادة عليه  استطاع أنَّ يجعلها خبيرة في هذه الحالات، حيث جالت على الشوارع واستطاعت مساعدة العديد من الناس رغم كل الفوضى، وبعدها نظمت حملات تبرعات لصندوق أتسوما الإنساني.

النموذج الآخر عن المغتربين اللبنانيين

أثّرت قضية كارلوس غصن كثيرا في يارا، لأنّها أظهرت لبنان واللبنانيين بشكل سيئ حسب رأيها؛ والمشكلة الأكبر “أنّه أساء استخدام سلطته واختلاسه وتهرّبه من الضرائب، وأهان السلطات اليابانية بهروبه إلى لبنان، وهذا أضرّ لاحقا  بالمعاملات المالية مع لبنان، وبالتالي تحويلات التبرعات”.

ينبغي أن يكون للتبرعات معاملة خاصة في كل دول العالم، بل وأنَّ الكثير من الأثرياء يتبرعون للقضايا الإنسانية ليحصلوا على عفوٍ ضريبي كون الضرائب على أموالهم تكون مرتفعة في دولهم؛ إلا في لبنان، حيث لا يكفي فرض الضرائب على التبرعات، بل يبدو أنّه يتم الاستيلاء عليها من أجل سلة دعمٍ “مفخوتة” لا يستفيد منها فعلياً إلا كبار التجار الذين يلعبون الدور الأكبر في تدمير اقتصاد البلد.

محمد شمس الدين

محمد شمس الدين

كاتب وناشر على مواقع التواصل الإجتماعي ومعد برامج وتقارير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى