منوعات

لهذه الأسباب تنفيذ وثيقة مار مخايل اليوم أهم من أي يوم مضى

مرّات كثيرة، استغلّ بعض الأحزاب التحرّكات الشعبيّة منذ 17 تشرين الأوّل 2019، لإطلاق شعارات مناهضة لحزب الله، وأخرى لرئيس الجمهوريّة والتيّار الوطني الحرّ من بوّابة التحالف القائم مع الحزب، غير أنّ الاحتجاجات التي اندلعت ليل الثلاثاء-الأربعاء الفائت، لفت فيها استهداف بالإسم لتفاهم مار مخايل، عبّر عنه أكثر من مشارك، لا سيّما في نقطتي زوق مكايل وجل الديب، وما ترمزان إليه سياسياً وطائفياً على صعيد أشخاص المشاركين، حيث بلغ الأمر بأحدهم حدّ الإشارة بوضوح إلى أنّ هدفه من النّزول إلى الشّارع هو إسقاط تلك الوثيقة، وفق الفيديو الذي لقي رواجاً كبيراً على مواقع التواصل.

طبعاً، لا يخفى على أحد أنّ موضوع العلاقة مع حزب الله تحوّل منذ مدّة غير قصيرة إلى مادّة للنقاش الدّاخلي في أوساط التيار الوطني الحر على المستويين الشعبي والقيادي، ليس من زاوية الانقلاب عليه كما يتمنّى أفرقاء كثيرون في الدّاخل والخارج، بل من حيث معالجة الثّغرات في التنفيذ التي تمنع تحقيق الأهداف المتوخّاة داخلياً، وتحديداً على مستوى الإصلاح ومكافحة الفساد، وهما عنوانا الحملة المضادّة للرّئيس والتيار منذ بداية العهد.

أوساط التيّار لا تبدي اكتراثاً كبيراً لما يصدر عن الأحزاب والشخصيات التي شكّلت سابقاً الجناح المسيحي لقوى 14 آذار، على اعتبارها مناهضة للتفاهم منذ اليوم الأوّل، ولا توفّر جهداً لضرب صورته في الأوساط الشعبية.
وتشدّد تلك الأوساط على أنّ النّقاش يجب أن يتمحور حول سبل الترجمة العملية لوثيقة التفاهم على مستوى بناء الدولة، لأنّه الأمر الوحيد الذي يحاكي التطلّعات الشعبيّة في هذه المرحلة في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة.

واذا كان موضوع المقاومة على جبهتي العدوين الاسرائيلي والتكفيري غير خاضع للنقاش لدى العونيين من حيث القناعة والمبدأ، وإن كان يصعب عليهم تفهّم التدخّل في البلدان العربية الأبعد من سوريا، سياسياً او عسكرياً أو حتى من باب الاستشارة، فالإشارة إلى إيجابيات التفاهم على صعيد حماية لبنان من الأخطار الخارجية لا تكفي في هذا الزمن، والمطلوب مخاطبة الناس بشكل مباشر بخطوات إصلاحيّة عملية مشتركة، من دون أن يعني ذلك عدم مراعاة الاعتبارات السياسية المعروفة.

أمّا على المقلب الآخر للتفاهم، فتتحدث شخصيّة سياسيّة مسيحية التقت مؤخراً شخصيّة نيابيّة بارزة في حزب الله عن تشديد الحزب على أهميّة وتاريخية وثيقة مار مخايل التي تبرز اليوم أكثر من أي يومٍ مضى، خصوصاً بعد المواقف المتدرّجة للبطريركية المارونية، والتي عبّرت عن نفسها بخطاب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في 27 شباط الفائت.

فتلك الوثيقة التي تخضع راهناً لمراجعة إيجابية، طرحت منذ عام 2006 غالبية النقاط التي تطالب بها البطريركية المارونية اليوم، ومنها الاستراتيجية الدفاعية التي وضعها الراعي سقفا لبحث موضوع السلاح خلال مقابلته على قناة الحرة الأميركية مساء الاثنين.

الشخصيّة المسيحيّة عينها تؤكّد تمسّك حزب الله بالتواصل مع جميع اللبنانيين، بغضّ النّظر عن مقاربة المواقف، ولا سيما مع بكركي كموقع ورمز، لأن في ذلك مصلحة وطنية كبرى، مع ترك الموضوع للجنة المشتركة التي أعيد تفعيل دورها. لكن في الموازة، تعبّر تلك الشخصية عن اقتناعها بأنّ الحزب يرى في الرئيس ميشال عون أكثر المدركين للمخاطر التي تتهدّد اللبنانيين في هذه المرحلة، لا سيما المسيحيين، في ظل الطروحات الخارجية التي تلقى آذاناً محلية، متحدثة بإعجاب عن شخص رئيس التيار جبران باسيل، نظراً الى ثباته في الموقف على رغم ما يتعرّض له من حملات ظالمة قد تكون الاقسى على أي شخصية سياسية في تاريخ لبنان.

في الخلاصة، المطلوب على المستوى السياسي مقاربة المواضيع بعيداً عن التشنج، مع تفادي إعطاء ذرائع، ولو عن غير قصد، للمتربصين بالعلاقة المسيحية مع حزب الله وبيئته، ومنعهم من تحويل الموضوع عنواناً لاستثمار سياسي إضافي ضد رئيس الجمهورية والتيار، في انتظار حل الأزمة على المستوى الكبير.

أمّا وثيقة مار مخايل فستبقى وتستمر، وهي مكملة لأي حوار بين بكركي والحزب، لأنّ سقوطها ليس مجرّد سقوط لتفاهم بين شريحتين سياسيتين ومجتمعيتين وازنتين، بل سقوط لمبدأ التفاهم بين اللبنانيين، وهذا ما لن يسمح المعنيون له بأن يتم.

 

جاد أبو جودة

صحافي. مدير الاخبار في قناة الـ OTV.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى