منوعات

على وقع انهيار الليرة… مغامرة اللعب على حافة الهاوية

على الرغم من ان كثيرين كانوا يتوقعون منذ فترة ان يسجل الدولار قفزات كبيرة في ظل المراوحة السياسية والاهتراء الاقتصادي، الا ان ذلك لم يخفف من أثر الصدمة التي أحدثها وصول الدولار الى سعر العشرة آلاف ليرة، محطما بذلك رقما قياسيا غير مسبوق، ومحطما أيضا آخر خطوط الدفاع عند شريحة واسعة من المواطنين الذين تآكلت مداخيلهم وأعصابهم بفعل انخفاض القيمة الشرائية لليرة وتصاعد الغلاء على نحو لا يطاق.
يحصل كل ذلك، وسط “غيبوبة” سياسية للمولجين بتشكيل الحكومة، والذين لا يزالون يمعنون في اللعب على حافة الهاوية، وينتظر كل منهم ان يبادر الآخر الى التنازل، وسط مكابرة مكلفة، يدفع ثمنها المواطن الذي أصبح فرق عملة، سواء في السوق السوداء او في بازار المساومات السياسية.
صحيح ان اي حكومة جديدة لن تتمكن من صنع المعجزات ولن تمتلك قدرات خارقة، لكنها تستطيع على الاقل تنظيم الانهيار والحد من خسائره، تمهيدا لخروج متدرج من النفق اذا تأمنت مستلزمات الإنقاذ.
ويعتبر مستشار احد المراجع السياسية الاساسية ان الواقع السياسي والاقتصادي المتفلت من اي قواعد ناظمة يؤشر الى ان قانون الجاذبية تعطل في لبنان الذي بات يسبح خارج اي ضوابط، كريشة في مهب الريح.
ولئن كانت التحركات الغاضبة قد عادت الى الشارع من باب الاحتجاج على الارتفاع الدراماتيكي في سعر العملة الخصراء، الا ان ما يجري حتى الآن سيكون مجرد مفرقعات بالمقارنة مع الدوي المتوقع للانفجار الاجتماعي الكبير الذي سيحصل ما لم يتم تداركه قبل فوات الأوان، واذا لم يلتقط المعنيون ذبذبات الأرض التي تغلي، علما أن هناك في الطبقة السياسية من يظن ان الناس سيتكيفون مع الأمر الواقع وسيتأقلمون مع صعود الدولار ولو ظهرت بعض العوارض الجانبية عند كل قفزة، فهل ستصيب حسابات المكابرين من جديد ام ان اللبنانيين سيفاجئونهم هذه المرة؟
ولا تخفي شخصية خبيرة في الشأن المالي تخوفها من ان يتجاوز الدولار لاحقا سقف العشرة آلاف ليرة نحو سقوف أعلى بعدما كُسر المحظور على هذا الصعيد، موضحة ان تخفيضه الى مستويات مقبولة لا يتوقف فقط على معالجة ظرفية للأسباب المباشرة التي تتلاعب بنبضه، وإنما يتطلب معالجة جذرية لأصل المشكلة التي أوصلتنا إلى القعر والقهر، والمتمثلة في “الموديل” الأقتصادي الهجين المعتمد منذ عقود.
وتشدد هذه الشخصية على أن النموذج الاقتصادي الريعي أصبح جثة هامدة، وما يجري حاليا اننا نرقص حولها وبعضنا يرفض ان يصدق الحقيقة، مع ان الرائحة الكريهة بدأت تفوح من الجثة.
وتشير الى ان هناك من لا يزال لديه حنين الى اقتصاد الراقصة والاستهلاك ويصر على الاستمرار في التسول والاستدانة، بدل الاستفادة من دروس الحقبة السابقة التي كنا نتشاطر فيها على الأرقام ونتصرف كالنعامة، قبل ان نستفيق فجأة على الحقيقة الموجعة وازمة تبخر الودائع في المصارف.
وتؤكد الشخصية إياها ان لا مجال للرجوع الى هذا النموذج الذي سقط بالضربة القاضية، ومن غير الجائز الدفع مجددا في اتجاه إعادة استنهاضه لانه أصبح لا يتناسب مع تحديات عام 2021.َ، مستغربة كيف ان المقاربة الاقتصادية والسياسبة لدى البعض لا تزال كلاسيكية ولا تجاري حتى الآن التحديات المستجدة، على الرغم من التحولات الكبيرة التي حصلت في الداخل والخارج.
وتلفت تلك الشخصية الى ان علينا الذهاب نحو تفعيل القطاعات الانتاجية من زراعة وصناعة، والأهم إطلاق اقتصاد المعرفة المواكب للعصر خصوصا ام لدينا طاقات شبابية قادرة على التفوق في هذا المجال.

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى