مجتمع

اللبنانيون تحوّلوا إلى “دكنجيّه”… ماذا يقول الخبراء عن هذه الظاهرة؟

مع الارتفاع الهائل للأسعار والإقفال العام، تحوّل معظم اللبنانيين إلى “دكنجيّه”، وإلى تجّار المواد الغذائيّة. أهوَ تهرّب من الإقفال أم محاولة بحث عن مصدر رزق جديد؟

في جولة بسيطة على شوارع الضاحية الجنوبية وبعض شوارع بيروت، تلحظ وبشكل فاقع تبّدل المعروضات في واجهات المحال التجارية. هذا محل أثاث منزلي يعرض أدوات طعام، وهذا محل ثياب يعرض أدوات تنظيف، وهذا محل أدوات كهربائية يعرض المونة، إضافة إلى محال “one dollar” و”التوفير”، و”الأوفر” التي دفشت الألبسة الى الداخل لتعرض المواد الغذائية مكانها. واللافت هو تحوّل صفحات الـ”online” التي كانت تعرض الثياب والأدوات المنزلية وأدوات الماكياج، إلى صفحات لعرض أنواع من الحلويات والشوكولا والطعام والمونة.

  من التعليم إلى بيع الحلوى

كانت “سلمى” معلّمة، تحوّلت إلى بيع الألبسة “أونلاين”. ومع اشتداد الأزمة الإقتصادية انتقلت إلى بيع الأغذية والحلوى، حيث تؤكد أنّ الطلب على هذه المواد ارتفع بشكل لافت. وتتعامل مع أكثر من 250 زبون بالتجزئة، إضافة إلى التوزيع بالجملة. وكما هو حالها، كذلك هو حال جميع أفراد أسرتها.

نظرتنا إلى الحياة يجب أن تتغير

عبدالله رزّوق، المدير العام السابق لوزارة العمل، يرى في حديثه مع “أحوال” أننا “أمام أزمات خطيرة تهدّد مستقبل البلد وحياة الناس؛ فهذا النشاط لا يحلّ الأزمة، إذ لا ثقافة وطنية صحيحة، ولا إحترام للقانون. وأمام ضعف الدولة وعدم قدرتها على الرقابة نرى الاستهتار”.

ويلفت إلى أنّه “هناك دعاية للفقر أكثر من الفقر نفسه، فصفيحة البنزين 32 ألف، ومع ذلك الطرقات مليئة بالسيارات، والتعاونيات تغصّ بالناس. فالمسؤولية تقع على الناس والدولة معاً، الدولة التي أفلسناها، لذا نظرتنا إلى الحياة يجب أن تتغير”.

ويستطرد رزوق بالقول “ضعف الإنتاج المحلي سببه السياسة المتبعة مع المعامل. فالمواد كلها بالدولار، ونحن بلد استهلاكي”.

نحو الإنهيار

ولا يمكن معالجة الفساد بالأساليب المتبعة، بحسب رزّوق، فالبلد بحالة افلاس وفوضى عارمة. ويسأل: أين حالة الطوارئ، ولماذا انهار البلد بسرعة؟ والبلد مهترىء منذ سنين. والوضع يزداد سوءاً،  فتعويض نهاية الخدمة مثلا لا يمكن سحبه من البنك بسبب الاهتراء الإقتصادي. إلى أين سنصل؟ إلى الفقر، إلى الانهيار. كان راتبي 4 ملايين ونصف، اليوم بات لا يساوي شيئاً. فالإقتصاد علم له قواعد ومبادئ وليس حالة فوضى.

 

تجاوزنا خط الفقر

أما كاسترو عبدالله، رئيس “الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان”، فيعلن عبر “أحوال” أن “كل اللبنانيين اليوم يعانون لأننا تجاوزنا خط الفقر، فصار ما بين 65 إلى 70 % تحت خط الفقر، و20 % يعانون الفقر المدقع”.

ويرميّ بالمسؤولية على “الحكومات المتعاقبة التي أوصلتنا إلى الانهيار، وقرار الحكومة خلال الإقفال كان دون المستوى، فلم تستطع تأمين المطلوب، فالسلطة الفاسدة متمسكة بتقاسم الحصص وحماية الفاسدين سواء مافيا الدولار أو سرقة المواد المدعومة، وغش الأدوية”.

الوضع لم يعد يُحتمل

ويضيف عبدالله، هذه “بداية لرفع الدعم. من هنا لا بد من رفع الصوت من خلال التحركات، وقد طالبنا وزارة العمل بالتحرّك، لكن دون دون جدوى. فنحن نطالب بدعم الناس مباشرة وعبرالجيش. فقرض البنك الدولي ليس هبة، حيث بدأت الأحزاب تطالب بحصتها، في حين لم يأخذوا بعين الاعتبار الحد الأدنى للأجور الذي لم يعد يتجاوز الـ70 $”.

“فلا امكانية لتصحيح الأجور، وللأسف السلطة لا تزال تحمي المافيات. لذا نحن ندعو إلى الدعم المباشر، ونتحّضر للتحرك”.

و يتابع، وصلت السرقة إلى اللقاحات، وهذا يذكرنا بأدوية السرطان التي كانت عبارة عن مياه حيث باعوا الأدوية للخارج.

وطالبنا سابقاً فتح تحقيق مالي حول تهريب المواد المدعومة سواء المحروقات أو الأدوية لأن الدولار يخرج من لبنان ولا يعود، مع التحقيق بموضوع المستشفيات التي تسرقنا والتي ترفض إدخال المريض، لذا يجب ايجاد الحل”.

دخلنا بالمجاعة

ويطلق رئيس “الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان” صفارة الإنذار، بالقول “دخلنا بالمجاعة، ويا ليت صرنا دكنجيّه بل صرنا شحاذين، نتسوّل وهم يتحكمون برقابنا. والحلّ بالمواجهة ورفع الصوت والتظاهر ضد حماة الفاسدين وسارقي المال العام، علما أنه لم يتجاوب معنا أحد سابقاً”.

للجم التدهور

أما د. نبيل سرور، رئيس مصلحة في وزارة الإقتصاد والتجارة، فيشرح الوضع لـ”أحوال” بالقول: “عاش اللبنانيون واقعا معيشيّاً صعباً منذ 2019 وتجلّى ذلك في فُقدان السلع الأساسية والأدوية، والاحتكار والغلاء الفاحش، وتراجع القدرة الشرائية، والفوضى العارمة في الأسواق.”

ويتابع، أزاء هذا الواقع، تسعى الإدارات العامة للعب دور في هذا الواقع ومحاولة تحديد محددات علميّة للجم التدهور، وضبط واقع القطاعات الحيوية في لبنان، وتحديد مهامها للنهوض بالاقتصاد”.

واجبنا متابعة القطاعات

والمسؤولية، برأيّ سرور “مشتركة بين وزارات الاقتصاد والشؤون الاجتماعية وزارة العمل والأجهزة القضائية والأمنيّة. ويتمثل دورالإدارات في ضبط عمل المؤسسات التجارية وفقا للتراخيص المعطاة لها. وقد لاحظنا في خضّم الأزمة المستحكمة، أنّ الإقتصاد اللبناني شهد اقبالاً منقطع النظير على تجارة المواد الغذائية والمنظفات والمواد الأساسية التي يحتاجها المواطن. وبتنا نلاحظ أفراداً وشركات ومؤسسات تتخلى عن أعمالها التجارية لصالح تجارة المواد الغذائية خلافاً للقانون. لذا من واجب الادارات والأجهزة الرقابيّة متابعة واقع القطاعات الإقتصادية، وتوقيع غرامات وجزاءات بحق المخالفين”.

مراعاة الوضع العام

لكنّ “الواقع الاقتصادي المتدهور بشكل مضطرد، يفرض مراعاة قسرية من هذه الأجهزة الرقابية للدولة، على الكثير من المخالفات بسبب ظروف البلد الصعبة، وندرة المواد الأساسية، وعلى خلفية التضخّم الكبيرالذي نعيشه بسبب الأزمة السياسية – الاقتصادية الراهنة”.

البيع بالتجزئة

ويعلّق د. زهير برو، رئيس جمعية المستهلك، على الظاهرة، لـ”أحوال” بالقول: “يحصل ذلك عندما تكون قدرات الناس ضعيفة فيلجأون للبيع بالتجزئة، فخلال السنوات السابقة بدأت المسألة بخطوط الخليوي، واليوم ستنتقل العملية إلى سلع أخرى، خاصة الفاحشة الأسعار منها، كالمكسرات والحلويات (40$ للكيلو)، وهو رقم خيالي. وإذا لم يخفّض التجار أرباحهم ستتراجع قدرات الناس الشرائية؛ كانوا يشترون اللحم بالكيلوات، اليوم يشترونها بالوقيّة. هي مسألة طبيعية عند الشعوب، فكل ما أفقرت الناس سيزداد الوضع سوءاً، وهو مؤشر للفقر، وهو مفتوح على المدى البعيد”.

فظاهرة العاملات المنزليات غيرالصحيّة مثلاً إنتهت، حيث تراجع المدخول 620% ومعظم أجور العاملات لن تصل إلى الحد الأدنى لعائلة متوسطة الحال، فكيف ستقدّم راتباً لعاملة أجنبية بالدولار؟

إلى الأسواق الرخيصة

ويؤكد برو أنّ “الاستيراد سيزداد لأن انتاجنا ضيق جداً، ولا وجود لسياسة التطوير الصناعي بسبب غياب الدولة، وحتى تعود من جديد تحتاج إلى الاستثمار في المجالات كافة لا يمكن للقطاع الخاص أن ينطلق وحده دون دعم المصارف والدولة، وهم دوماً يخدمون الطبقة السياسيّة. لذا يلجأ اللبناني إلى الأسواق الرخيصة”.

ويطالب بدور وزارة الصحة والإقتصاد بوضع المواصفات الضرورية.  فبرأيه، هو أمرغير قائم قبل الأزمة أصلاً، لأن لبنان يُعتبر “مزبلة المنطقة”، إذ يتم رميّ كل نفايات المنطقة على أرضه، وهذا ما جعل عدد الاصابات بالسرطان والتسممات الغذائية هائل.

ويختم برو”الفقر وعدم الرقابة يجعلان الأمر يزداد سوءاً بسبب تغيير تاريخ الإنتاج، وسوء التخزين، وغياب الرقابة”.

 

سلوى فاضل

 

 

 

سلوى فاضل

صحافية لبنانية، تحمل شهادة الدراسات العليا في الفلسفة من الجامعة اللبنانية، تهتم بقضايا حقوق النساء والفتيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى