منوعات

أسبوع “الأراضي الرطبة”.. توعية حول أهميّتها ودورها الحيوي والمخاطر المحيطة

يمثّل أسبوع الأراضي الرطبة، الذي انطلق يوم 22 شباط/فبراير الحالي ويستمرّ حتى اليوم 25 منه، فرصة للتوعية حيال أهمية ودور هذه المناطق الحيوية بالنسبة للكائنات الحية وللإنسان وللأرض، كما يشكّل منصّة سنوية تسلّط الضوء على عالم يتّسم بغنى طبيعي عبر نظم إيكولوجية خاصة ومتنوعة، أدرك العالم أهميّتها في مسار فهم ودراسة هذه النظم اللصيقة بحياة الإنسان ومستقبله على هذا الكوكب.

أهداف التنمية المستدامة

لم يكن من قبيل الصدفة أن تُصنَّف الأراضي الرطبة من قبل “الجمعية العامة للأمم المتحدة” كـ”مواقع مهمّة”، تلبّي العديد من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الـ17، والمرتبطة بـ75 مؤشرًا من مؤشرات أهداف التنمية المستدامة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة (تقرير رامسار2018 الصفحة 9)، ومنها التركيز على الفقر والجوع والصحة والطاقة والاستهلاك وتغيّر المناخ؛ ومن هذه الأهداف يبرز الهدف 15 الذي يدعو إلى الحفظ والاستخدام المستدام للنظم الإيكولوجية الداخلية للمياه العذبة وخدماتها، وكذلك الهدف 14 الذي يشجّع على حماية المناطق الساحلية والبحرية، فضلًا عن تركيز الهدف 6 على المياه والصرف الصحي، مع هدف آخر يتعلّق باستخدام المياه في مجال النظم البيئية (تقرير رامسار الصفحة 16).

اتفاقية “رامسار”

من هنا، تم اعتماد اتفاقية Ramsar للأراضي الرطبة، نسبة لمدينة “رامسار” في إيران، وذلك في 2 شباط 1971، حيث احتفل به العالم هذا العام تحت عنوان “الأراضي الرطبة والمياه”، بهدف تعزبز الحفاظ على الأراضي الرطبة عكس الإتجاه السائد بالإستغلال المفرط لمواردها والخسارة الكبيرة لمساحاتها، ومحاولة استعادتها ودمجها في التخطيط وخطط التنمية، إلى جانب تعزيز الترتيبات القانونية والسياسية للمحافظة عليها، مع تطبيق الحوافز الإقتصادية والمالية للمجتمعات والشركات، وضمان مشاركة جميع أصحاب المصلحة في الأراضي الرطبة لتحقيق الحوكمة والإدارة السليمة لهذه المناطق الحيوية.

المناطق الرطبة في العالم

تشمل المناطق الرطبة المواقع المنضوية تحت اتفاقية “رامسار”، ويبلغ عددها حوالي 2400 منطقة، وتُقدَّر مساحتها بحوالي 214 مليون هكتار، منها 54 بالمئة مغمورة بشكل دائم بالمياه، و46 بالمئة تغمرها المياه موسميًا، وهناك حوالي 93 بالمئة منها عبارة عن أنظمة داخلية (مثل محمية عميّق في لبنان)، مع 7 بالمئة منها بحرية وساحلية (محميات جزر النخيل، رأس الشقعة ومحمية صور الطبيعية).

في المقابل، تقع أكبر مناطق الأراضي الرطبة مساحة في آسيا (32 بالمئة)، تليها أميركا الشمالية (27 بالمئة)، وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (16 بالمئة)، ثمّ أوروبا (13 بالمئة) وأفريقيا (10 بالمئة) وأوقيانوسيا (3 بالمئة)، كما تشمل 169 دولة، إلا أن هذه المناطق تشهد تدهورًا سريعًا يُقدّر بثلاثة أضعاف ما تشهده الغابات، مع خسارة 35 بالمئة منها منذ العام 1970 (المرجع تقرير رامسار2018 الصفحة 5)، حيث قُدّرت هذه المساحة في حوض البحر المتوسط بـ48 بالمئة بين الأعوام 1970 و2014 (المرجع تقرير رامسار2018 الصفحة 22).

وفي السياق عينه، تُظهر التقديرات العلمية أن مساحة الأراضي الرطبة حول العالم أكبر من مساحة كندا، (أكثر من 12.1 كيلومترًا مربعًا)، وقد اختفى 64 بالمئة منها حول العالم منذ العام 1900، مع الإشارة إلى أن الأراضي الرطبة الداخلية تختفي بوتيرة أسرع من تلك الساحلية، وهو ما يشكّل تهديدًا للكائنات الحيّة التي تعتمد عليها.

لبنان

تُقدّم هذه الأراضي التي لم تشملها خطط التنمية، وخصوصًا في لبنان الذي يُعد الأغنى بالمياه في الشرق الأوسط، خدمات لا تُقدّر بثمن، فهي مصدر هام للمياه العذبة ولإمدادات المياه الجوفية وتحسين نوعية وجودة المياه، إلى جانب دورها في السيطرة على الفيضانات والمرونة والتخفيف والتكيّف مع آثار تغيّر المناخ والإحترار المناخي، فضلًا عن تنظيم المناخ، إذ تمتصّ نظمها ولا سيّما أراضي الخث Peat Lands ضعف كمية الكربون التي تمتصها الغابات لجهة توفير الغذاء ومواد البناء، فضلًا عن كونها من أغنى النظم البيئية بالتنوع البيولوجي للنباتات والحيوانات والأحياء الدقيقة.

وقد تم تصنيف أربعة مواقع “رامسار” في لبنان، وقُدّرت مساحتها الإجمالية بـ1,075 هكتار، أكبرها محمية جزر النخيل Palm Islands Nature Reserve شمالًا، والتي قُدرت مساحتها بحوالي 420 هكتارًا، ومحمية صور الطبيعية Tyre Coast Nature Reserve جنوبًا، بالإضافة إلى محمية عميّق Aammiq Wetland في البقاع الغربي، ورأس الشقعة Raas El Chaqaa بين مدينتي البترون وطرابلس.

التنوع البيولوجي

من جهة أخرى، تظهر أزمة التنوع البيولوجي بصورة أكثر حدّة في الأنهر والبحيرات والأراضي الرطبة في العالم، حيث يتّجه أكثر من ربع الأنواع التي تعيش في المياه العذبة إلى حافة الإنقراض، وذلك وفقًا لتقرير “المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، (The Intergovernmental Science-Policy Platform on Biodiversity and Ecosystem Services IPBES).

إلى ذلك، يختفي التنوع البيولوجي من الأنهر والبحيرات والأراضي الرطبة بوتيرة سريعة للغاية، تُنذر بمخاطر جمّة، لا سيّما مع تحذير الخبراء من “انهيار كارثي” في التنوع البيولوجي للمياه العذبة حول العالم، وفقًا لتقرير الكوكب الحي للعام 2020 الصادر عن الصندوق العالمي للحياة البرية لعام 2018، ما أدّى إلى تعرّض العديد من الكائنات الحيّة لخطر الانقراض العالمي.

ووفقًا للتقرير عينه، انخفضت أعداد أنواع المياه العذبة بنسبة 76 بالمئة بين عامَي 1970 و2010، حيث قُدّر أن نوعًا من ثلاثة أنواع من الكائنات الحية يتعرّض للإنقراض، ومنها على سبيل المثال انخفاض أعداد البرمائيات بنسبة 40 بالمئة في كافة أنحاء العالم، بينما في أوروبا، كان هناك انخفاضًا بنسبة 71 بالمئة في أسماك المياه العذبة، ما يتطلّب خطّة طوارئ لإنقاذ هذه المناطق الحيوية.

الإقتصاد والمياه

الجدير ذكره أن أكثر من مليار شخص يعتاشون من الأراضي الرطبة، فهي من النظم البيئية الأغنى والأعلى كقيمة اقتصادية، وتُقدَّر قيمة خدمات هذه المناطق بحوالي 47 تريليون دولار أميركي سنويًّا.

وفي هذا السياق، فإن الحصول على المياه العذبة آخذ في الانخفاض بالنسبة لمليار إلى مليارَي شخص حول العالم، في حين أن السيطرة على الفيضانات وتخزين الكربون وسبل العيش التقليدية في الأراضي الرطبة تُعاني جميعها من مشكلات كثيرة، وغالبًا ما يُنظر إلى الأراضي الرطبة على أنها أراضٍ مُهمَلة، أي أراضٍ يتمّ تحويلها إلى أغراضٍ أخرى.

تدهور وفقدان الأراضي الرطبة

تُعتبر التوعية حول دور هذه الأراضي ضرورية، إلى جانب تشجيع الإجراءات الرامية لاستعادة تلك الأراضي والحدّ من تقلّص مساحاتها بالحوكمة والإدارة السليمة لمصادر المياه. وثمّة عدة أسباب تساهم في تدهور وفقدان مساحات الأراضي الرطبة، منها تغييرات كبيرة في استخدام الأراضي، لا سيما زيادة في مساحة الأراضي الزراعية وإنتاج الثروة الحيوانية، وتحويل المياه عبر السدود والقنوات المائية، وتطوير البنية التحتية، خصوصًا في وديان الأنهر والمناطق الساحلية، إلى جانب تلوّث الهواء والمياه وزيادة نسبة المغذيات في هذه المناطق، ما يسمح بنموّ “الباكتيريا الخضراء المزرقة السامة”، ونفوق الكائنات الحية، فضلًا عن النباتات الغازية التي تهدّد النباتات الأصيلة، والتي تُعتبر تهديدًا مستجدًا في الكثير من الأراضي الرطبة.

سوزان أبوسعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

ناشطة وصحافية لبنانية. مجازة في التحاليل البيولوجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى