مجتمع

اللامركزية الإنمائية.. مطلب أساسي لإنماء طرابلس ولبنان

الحاجة أم الإختراع؛ أمّا إذا أردنا أن نبحث عن اختراعات حقيقية لإنقاذ طرابلس المحرومة والأفقر على حوض البحر المتوسط، نكون قد دخلنا في نفق “النفاق السياسي” الذي انتهجته معظم القوى السياسية، حيث أن طرابلس هي المثال الحقيقي عن هذا النفاق، إلى جانب أمثلة أخرى في لبنان ذات أهمية أيضًا.

لذلك وقبل الغوص في حقيقية ما تستطيع “اللامركزية الإنمائية” تقديمه لطرابلس، لا بد والتشديد على أنّنا ومن أجل إنقاذ طرابلس، لا نحتاج لأي إختراع، بل نحتاج فقط “نوايا حسنة وصادقة” لإتمام عملية الإنقاذ تلك.

في “اللامركزية الإنمائية” خير دليل على أن “الخير” في هذا الوطن يُنبت بناءً صالحًا. ولو أن المعادلة ليست صحيحة، لما كان لبنان اليوم ساحة صمود أساسية في وجه العدو الصهيوني، في وقتٍ تدمّرت جميع الأنظمة ودابت في جلباب إسرائيل. لقد تمّ بناء جبهة صمود، ونحن اليوم في لبنان بحاجة “جبهة إنقاذ إنمائية” من خلال لامركزية إنمائية سليمة.

اللامركزية الإنمائية في مضمونها هي “خطّة عمل كاملة متكاملة”، يجب أن تستند إليها الحكومة التي لا بدّ وأن تبصر النور قريبًا -كي لا نقول إن اللامركزية الموسّعة ذُكرت في اتفاق الطائف إلا أن إقرارها هو من مهام مجلس النواب- لذلك يجب أن يكون عنوان عمل جميع الوزراء في الحكومة القادمة على النحو التالي: “خطة عمل لامركزية لإنقاذ لبنان، على أن تكون طرابلس هدفًا أساسيًا لإثبات نجاح أي وزير”.

اللامركزية في شقّها الإنمائي، تعني العمل ضمن إطار جغرافي موزّع على كافة الأراضي اللبنانية، ويجب أن يكون القضاء لا المحافظة، نظرًا للإنهيار الذي نعيشه والحاجة الكبيرة إلى الإنقاذ. وبالتالي، يكون قضاء طرابلس هو عيّنة أساسية يجب النهوض بها من خلال خطة عمل لامركزية. أما عن كيفية الإنطلاق في العمل داخل طرابلس لإنقاذها، فيجب وضع عناوين عديدة من خلال عدد من الوزارات على الشكل التالي:

1- وزارة الزراعة:

تعمل وزارة الزراعة في سياستها المركزية على التحكّم بقطاعات الزراعة وصيد الأسماك وقطاعات حيوية أخرى؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر، يجب أن تنفّذ الوزارة خطّة لتنظيم قطاع صيد الأسماك بشكل أساسي في الساحل الممتد ضمن قضاء طرابلس، ويكون هذا الأمر من خلال وضع إطار عملي ينشئ فرص عمل جديدة في هذا القطاع، بالإضافة إلى إطلاق استثمار مزارع الأسماك في البحر المقابل لشاطئ القضاء، وتعزيز دور نقابة وتعاونية صيادي الأسماك، إلى جانب فرز جميع الأراضي التي تعود إلى البلديات الموجودة ضمن قضاء طرابلس (البداوي، الميناء، القلمون، طرابلس) وطرحها للإستثمار الزراعي، مع تأمين كافة التسهيلات الممكنة خصوصًا على مستوى تأمين المياه خارج “الواسطات” التي سادت عدد من التجارب في المدينة وتم استغلالها من قبل بعض أعضاء بلدية طرابلس بشكل يثبت الأنانية في حرمان المدينة.

وعلى مستوى هذه الأفكار المطروحة، يجب فتح باب الإستثمار من قبل وزارة الزراعة مباشرة مع رجال أعمال لبنانيين أو قوى سياسية وأحزاب تريد أن تعمل لإنماء المدينة، بعدما تخلّى رجال الأعمال الممتهنين للسياسة في طرابلس عن مدينتهم واشبعوها فقرًا وحرمانًا، وحوّلوا “الطرابلسي” إلى “متزلّف” لخدماتهم الآنية وغير المستدامة.

2- وزارة الصناعة والإقتصاد:

لا شكّ أن حجم الإعلانات التي صُرفت على مشاريع “وهمية” بعناوين فضفاضة عن طرابلس، عاصمة لبنان الإقتصادية، كانت تكفي لبناء مصنع كبير ضمن إطار منظّم لتوظيف أهل المدينة. لذلك، فإن موقع طرابلس الإستراتيجي يحتّم على وزارة الصناعة مربّعات صناعية مخصّصة لبناء المصانع. وبما أنّنا دخلنا في أتون الحديث عن الإمكانيات المالية، وفي ظلّ الأزمة الراهنة، وجب على الدولة أن تخصّص موازنة لشركات خاصة ضمن مناقصات شفّافة، من أجل إدارة مشاريع صناعية في المدينة تخدم الداخل اللبناني، ما من شأنه أن يعزّز الإقتصاد في طرابلس وجوارها.

وانطلاقًا من ذلك، فإن وزارتَي الصناعة والإقتصاد يجب أن تكونا في حقيبة واحدة من أجل التكامل في العمل، خصوصًا إذا كان هناك نوايا حقيقية للسير بخطّة لامركزية، لأن الصناعة تُنشئ دورة إقتصادية سليمة. وهنا يجب التركيز على الصناعات التي تخدم الداخل اللبناني وتخفّف الإستيراد، كصناعات الألبسة والصناعات التي تُعنى بتجميع القطع الكهربائية والإلكترونيات، بالإضافة إلى الصناعات الغذائية.

3- وزارة الطاقة:

عندما نتحدّث عن موضوع الطاقة، نعود دائمًا لكلمات سمعناها من رئيس “التيار الوطني الحر”، وزير الطاقة السابق جبران باسيل، يتحدّث فيها عن معارضته لخطة “لامركزية الكهرباء”. وبما أن كهرباء زحلة هي المثال الأرقى لنسف هذا الطرح، بالتزامن مع الفشل الكبير في الوصول إلى تيار كهربائي سليم على كافة الأراضي اللبنانية -باستثناء قضاء زحلة- فإن “لامركزية الكهرباء” ومن خلال شركات خاصة تستثمر في طرابلس لتعطي الكهرباء 24/24 هو الحل الأنسب، مع التشديد على أهمية الخروج من الكيدية السياسية في هذا الملف الحيوي بامتياز، لأنه وبدون كهرباء لا يمكن تعزيز الصناعة والزراعة والإقتصاد.

في الخلاصة، الأزمة في لبنان تشتدّ والإنفجار الإجتماعي بدأ يتحضّر ليصل إلى ذروته. لذا، لا بدّ أن نقدّم الحلول لحكومة “الفرصة الأخيرة”، التي وإن فشلت، سيكون هناك حتمًا طوفان كبير يُغرق لبنان، وهنا سنندم على عدم تطبيق هذه الخطط البسيطة والسهلة.

زكريا حمودان

زكريا حمودان

كاتب وباحث لبناني. يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الصناعية من جامعة بلفور مونبليار للتكنولوجيا في فرنسا. مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء. رئيس التجمع الوطني للتنمية ونشر الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى