منوعات

هكذا ضلّل قادة العالم المتخاصمون الحقائق حول كوفيد_19

فيروس كورونا ليس خبراً زائفاً، ولا مؤامرة كونية على البشر؛ هذا ما وثقته حالات الإصابات والوفيات بالملايين في كافة أقطاب العالم. إلاّ أنّ المؤامرة حضرت ولأكثر من عام، في خطابات قادة العالم المتناحرين، وانتشرت الشائعات حول كوفيد_19 لحظة ظهور المرض نفسه تقريبًا.

وباء وشائعات… البداية من الصين

في نفس اليوم الذي أبلغت فيه الصين لأول مرة عن تفشي فيروس غامض، ظهرت الإدعاءات على وسائل التواصل الصينية بأنّ خصمًا “أجنبيًا” أطلق العنان لسلاح بيولوجي.

وفي آخر المستجدات هذا الشهر_شباط 2021، اكتشف محقّقون من منظمة الصحة العالمية (WHO) الذين يبحثون في أصل فيروس كورونا في الصين، علامات على أنّ تفشي المرض كان أوسع بكثير في ووهان في ديسمبر 2019 مما اُعلن سابقًا، وهم يسعون بشكل عاجل للوصول إلى مئات الآلاف من عينات الدم من المدينة التي لم تسمح لهم الصين حتى الآن بفحصها.

وقدّر العلماء_ في نتيجة غير نهائية أنّ بعض أصول المرض يعود إلى الأسواق، وبعضها غير مرتبط بالأسواق؛ بما في ذلك سوق هوانان للمأكولات البحرية في ووهان، الذي يُعتقد أنه لعب دورًا في انتشار الفيروس لأول مرة. حتى الساعة، لا يزال مصدر الفيروس غير واضح المعالم؛ لكن كيف لعبت محاور الدول وقادتها دوراً أساسياً في تضليل العالم حول الوباء الأخطر في العالم قبل انتهاء التحقيق أو حتى بدايته؟

نظرية المؤامرة إلى تصاعد منذ اليوم الأول

“احترس من الأميركيين!” كتب أحد مستخدمي تطبيق Weibo  الصيني في 31 ديسمبر 2019، ولاقى منشوره تفاعلاً كبيراً.  اليوم، وبعد مرور عام على تحذير منظمة الصحة العالمية من تفشي المعلومات الخاطئة لفيروس كورونا، لا تزال نظرية المؤامرة قائمة، مدفوعة من قبل المسؤولين الصينيين المتحمسين للتشكيك في أصول الوباء، التي أودت بحياة أكثر من مليوني شخص على مستوى العالم.

من بكين وواشنطن إلى موسكو وطهران، عمل الزعماء السياسيون، ووسائل الإعلام المتحالفة بشكل فعال، كمروّجي للشائعات، مستخدمين مكانتهم لتضخيم المؤامرات الملائمة سياسياً المتداولة بالفعل. لكن الصين- وليس روسيا – هي التي أخذت زمام المبادرة في نشر معلومات مضلّلة أجنبية حول أصول كوفيد_19، حيث تعرّضت للهجوم بسبب انتشار المرض في مدنها.

وكشفت Associated Press في بحث أخير استغرق تسعة أشهر عن التضليل الذي قامت به الصين، والذي تم إجراؤه بالتعاون مع مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي. ولفتت AP كيف تم تسليح الحكومة الصينية بشائعات مفادها أنّ الولايات المتحدة خلقت الفيروس. واعتمد التحليل على مراجعة ملايين المنشورات والمقالات على وسائل التواصل الاجتماعي بكافة منصاته.

بالنسبة لمسؤولين صينيين، هم كان يردّون على رواية قوية، رعتها وسائل إعلامية أميركية والرئيس السابق دونالد ترامب وكبار الجمهوريين، بأنّ الفيروس تم تصنيعه من قبل الصين.

وقالت وزارة الخارجية الصينية إنّ بكين استخدمت مكبّرات الصوت الموسّعة على وسائل التواصل الاجتماعي الغربية لتعزيز المصداقية وخدمة الحقائق، وهي دافعت عن نفسها ضد القوى “المعادية” التي تسعى إلى تسييس الوباء؛ فيما كان لمعركة السيطرة على السرد حول من أين جاء الفيروس عواقب عالمية في مكافحة الفيروس.

تضليل أميركي صيني إيراني

بحلول شهر مارس، وبعد ثلاثة أشهر فقط على ظهور كوفيد_19 في وسط الصين، كان الاعتقاد بأنّ الفيروس قد تم إنشاؤه في المختبر، وربما تم استخدامه كسلاح واسع الانتشار، كما أظهرت استطلاعات رأي متعددة. ووجد مركز للأبحاث، على سبيل المثال، أنّ واحدًا من كل ثلاثة أميركيين يعتقد أنّ الفيروس التاجي الجديد قد تم إنشاؤه في المختبر، فيما يعتقد واحد من كل أربعة أنه تم هندسته عن قصد.

في إيران، استشهد كبار القادة بمؤامرة الأسلحة البيولوجية لتبرير رفضهم للمساعدات الطبية الأجنبية. ووصفت مجموعات مكافحة الإغلاق ومكافحة الأقنعة حول العالم، كوفيد_ 19 بأنه خدعة، مما عقّد جهود الصحة العامة لإبطاء الانتشار.

في 26 يناير، نشر رجل من منغوليا الداخلية مقطع فيديو يزعم أنّ الفيروس الجديد الذي يجتاح وسط الصين كان سلاحًا بيولوجيًا صممته الولايات المتحدة، وقد شوهد 14000 مرة على التطبيق الصيني Kuaishou قبل إزالته. وقد تم القبض على الرجل واحتجازه لمدة 10 أيام وتم تغريمه لنشره الشائعات.

ولكن بعد ستة أسابيع فقط، تم بث نفس “المؤامرة” من قبل وزارة الخارجية الصينية، والتقطها ما لا يقل عن 30 دبلوماسيًا وبعثة صينية، وقاموا بتضخيمها من خلال شبكة الصين العالمية الواسعة لوسائل الإعلام الحكومية. خلال تلك الأسابيع الستة، تعرّضت القيادة الصينية لانتقادات داخلية شديدة.

في 7 فبراير، توفي الطبيب الصيني Li Wenliang بعد نشر تحذير مبكر حول تفشي المرض، بسبب كوفيد_19. كان الغضب الذي أحدثه وفاة “لي” أمرًا غير عادي – وبالنسبة للحزب الشيوعي الحاكم، كان عرضًا مقلقًا – في الفضاء المدني الصيني الخاضع للمراقبة الشديدة.

وفي الوقت نفسه، كانت الأصوات القوية في الولايات المتحدة – من الرئيس السابق ترامب إلى الجمهوريين في الكونغرس – تعمل على إعادة تسمية الوباء باسم “فيروس الصين”، ممّا ضخم النظريات الهامشية التي تقول إنّ العلماء الصينيين هم من صمّمه.

روسيا تتبنى نظرية الصين

في كانون الثاني (يناير)، وقبل وقت طويل من بداية الصين في نشر معلومات مضلّلة علانية، اكتسحت وسائل الإعلام الحكومية الروسية الفضاء، لإضفاء الشرعية على النظرية القائلة بأنّ الولايات المتحدة صممت الفيروس كسلاح.

في 20 يناير، أعلنت وسائل الإعلام التابعة للجيش الروسي، زفيزدا، أنّ تفشي المرض في الصين مرتبط باختبار أسلحة بيولوجية، نقلاً عن مرشح سياسي يُدعى إيغور نيكولين.

على مدار الشهرين التاليين، ظهر أكثر من 70 مقالاً في وسائل الإعلام الموالية للكرملين، نشرت ادعاءات مماثلة بشأن أسلحة بيولوجية باللغات الروسية والإسبانية والأرمنية والعربية والإنجليزية والألمانية، وفقًا لتحليل أسوشيتد برس لقاعدة بيانات جمعتها EUvsDisinfo، والتي تتعقب المعلومات المضللة للأوروبيين.

إذن، انضم السياسيون الروس إلى الجوقة. وجادلت البرلمانية ناتاليا بوكلونسكايا بأنّ فيروس كورونا الجديد يمكن أن يكون سلاحًا بيولوجيًا ابتكره “أولئك الذين يريدون حكم الكوكب” لتقويض الصين. بعد فترة وجيزة ، اقترح فلاديمير جيرينوفسكي، الزعيم القومي للحزب الديمقراطي الليبرالي لروسيا، أنّ اللوم يقع على الولايات المتحدة وشركات الأدوية الجشعة.

إيران: اتهام مضخّم لأميركا

وأشار القادة العسكريون والدينيون في إيران مرارًا إلى الفيروس على أنّه سلاح بيولوجي أميركي الصنع؛ وقد تم تضخيم تصريحاتهم من قبل وسائل الإعلام الروسية. وقد التقطت الصين التصريحات، التي أضافت المزيد من التكهنات.

واستشهد خامنئي مرة أخرى بنظرية المؤامرة القائلة بأنّ الفيروس صُنع في أميركا، خلال خطابه السنوي بمناسبة العام الفارسي الجديد في 22 مارس – هذه المرة كمبرّر لرفض المساعدة الأميركية.

“لا أعرف مدى صحة هذا الاتهام ولكن عندما يكون موجودًا، فمن في قواه العقلية سيثق في إحضار الدواء؟” قال خامنئي للأمة. “من المحتمل أن يكون دواؤك وسيلة لنشر الفيروس أكثر.”

اللافت أنّه في نفس اليوم، هبطت في إيران أول طائرتين شحن محملتين بالأطباء والإمدادات، لمستشفى ميداني سعة 50 سريراً من منظمة أطباء بلا حدود.

أميركا في مواجهة الصين عبر كوفيد

في 14 يناير 2021، وصل فريق من منظمة الصحة العالمية إلى الصين للتحقيق في أصول تفشي المرض. في اليوم التالي، وفي أحد الإجراءات الأخيرة لإدارة ترامب، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية “صحيفة حقائق” تفيد بأن الوباء قد يكون نتيجة تسريب من معهد ووهان لعلم الفيروسات، الذي زعمت أنّه تعاون فيه مشاريع سرّية مع الجيش الصيني.

ودانت وزارة الخارجية الصينية تلك المزاعم ووصفتها بـ “جنون اليوم الأخير” للسيد الكذاب”، ملمّحة إلى ترامب. وقالت المتحدثة “هوا تشون ينغ” في مؤتمر صحفي في 18 يناير:

“أود أن أؤكد أنّه إذا كانت الولايات المتحدة تحترم الحقائق حقًا، فعليها فتح المختبر البيولوجي في فورت ديتريك، وإعطاء المزيد من الشفافية لقضايا مثل أكثر من 200 مختبر حيوي خارجي، ودعوة خبراء منظمة الصحة العالمية لإجراء تعقب المنشأ.”

بانتظار نهاية التحقيق الذي تجريه منظمة الصحة العالمية للتأكد من مصدر أخطر وباء عالمي، تبقى النظريات من قادة العالم، حرباً ضروسة يمارسونها بغية تحقيق مكاسب سياسية وتسجيل انتصارات على “الأعداء”، ليس إلاّ؛ فيما صحة العالم وحتى أبناء جلدتهم، تبدو في آخر الاهتمامات.

لطيفة الحسنية

المصدر: ترجمة_ AP_ Reuters_ AFP

 

 

 

 

لطيفة الحسنية

صحافية متخصصة في الإعلام الرقمي. أطلقت حملة لمكافحة الإبتزاز الالكتروني عام 2019، تناولت تدريب الضحايا على كيفية التخلّص ومواجهة جرم الابتزاز تضمنت 300 حالة حتى تموز 2020. عملت كمسؤولة إعلامية في منظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى