مجتمع

جائحة كورونا تفضح قطاع التعليم في لبنان

التلميذ يفقد آلية بناء شخصيته

ثغراتٌ متشعبة كشفت نقاط ضعف القطاع التعليمي في لبنان منذُ بداية جائحة كورونا حتى اليوم. مؤخرًا افتقد معظم تلامذة  المدارس خلال فترة الحجر المنزلي أمورًا مهمة تتسم بتنمية الحس الحركي، المتعلق بشكل مباشر بمواد التربية البدنية، الفنية، الموسيقية وغيرها من المواد التي تصنف بالمواد غير الأساسية. فعالية هذه المواد تتبلور في دورِها كوسيط تنشئة اجتماعية، فهي تعملُ على بناءِ شخصية الطفل عبر دعم العملية التعليمية، كما أنّها تمكنه من تفريغِ طاقته واكتشاف مهاراته.

 

مادة الفنون تتلقى ضربة قاضية

تلخّصُ هبة لـ”أحوال”، وهي أستاذة مادة الفنون في إحدى المدارس الحكومية أهمية المادة التي تدرّسها منذ عشرين عامًا من منظارها الشخصي، باعتبارها مادة شمولية يحتاجها التلميذ من جهة، والأستاذ من جهة أخرى كإحدى الوسائل الإيضاحية وخصوصًا في المرحلة الابتدائية.

تروي الصعوبات التي بدأت بعدم اكتراث الأهالي، وغياب تفاعل التلاميذ مع هذه المواد كما يجب، أمّا التجربة الحسيّة والتواصليّة فقد افتُقدت بشكل كامل، فالتلميذ غالبًا كثير التساؤل أثناء إعداده لعملٍ ابتكاري مهما كان بسيطًا، وفي هذه الأحوال يرى نفسه عاجزًا بسبب غياب التواصل المباشر وهذا مُعاكس للميزات التواصلية المُجدية في الحصة التدريسية الحضورية، تعطي هبة مادة الفنون لحوالي 200 تلميذ، تُقدِّر بأن أقل من نصف العدد فقط يتفاعل معها عن بعد. من هنا تسلط الضوء على أهمية دور الأهل وفاعليته، الذي يأتي بقدر اهتمامهم وقدرتهم على المتابعة والتعاون مع المدرسة.

 

تجربة الـ “هوم سكولينغ”

ثمة نموذجًا فاعلًا، سارة حيدر، أم لأربعة أولاد شاركت “أحوال” تجربتها المنزلية خلال الحجر وشرحت آلية تمكين أطفالها لاكتساب مهارات جديدة، وكيفية التخطيط لإنقاذهم من عتمة الفترة الاستثنائية.

مع مطلع العام الدراسي الجديد، اتخذت سارة وزوجها قرار نقل الأولاد من المدرسة الخاصة إلى الرسمية، وجدت نفسها أمام تحدٍّ، فقامت بتنظيم برنامج (هوم سكولينغ)، استغلت كلّ الأوقات والأدوات والأماكن المتاحة لتصب في خدمة البرنامج اليومي، فعرّفت أولادها على الطبيعة وعناصرها كونها المتنفس الوحيد، تمكنوا بذلك من مادة الجغرافيا، سعت لدمج مادة العلوم مع أدوات الحياة اليومية، وتابعت خلال أيام الأسبوع الأربعة حلقات صباحية يومية. سبقت سارة البرنامج السنوي المدرسي، لم يكن اعتمادها على المدرسة اعتمادًا مطلقًا.

على عكس الأهالي الذين لعنوا الظلام بدل إشعال شمعة واعتبروا أنّ لا بديل عن الاستسلام، وجدت سارة نفسها مسؤولة وشريكة في بناء واكتشاف أولادها، وعلى الرغم من التخطيط والتوجيه، واجهت مشكلة مع ابنها ذات الطباع الاجتماعي فعانت من التذمر اليومي بسبب الحصص التدريسية عن بعد على خلاف سلوك ابنتها الانطوائية.

ببساطة، سارة أم تربوية مُتمكنة، استفادت من تخصصها الجامعي في سبيل متابعة أولادها، لكن حالتها لا تعمّم إذ لا يمكن إسقاط وضعها على جميع الأسر، فبعض العائلات غير مدرك للمشكلة بل يراها من منظار اخر، فبالنسبة لهؤلاء هو عام وسيمر، البعض الآخر مدرك لوجود المشكلة لكن الأزمات باتت متفاقمة، ولا يوجد متّسع من الوقت لدى الأمهات للمتابعة بسبب الحاجة الملحة للعمل.

التجاربُ وحدها غير كافية للحكم، إذ علينا طرح تساؤلاتنا على المعنيين بالعلوم النفسية والأشخاص ذوي الخبرات الطويلة، وعلى وجه الخصوص المتخصصين في علم النفس التربوي.

 

رأي علم النفس التربوي

في هذا الإطار ترى الدكتورة أميمة عليق وهي متخصصة في علم النفس التربوي، بأنّ مواد الفنون تزيد من القدرة الخيالية وترفع من المستوى الجمالي لدى الأطفال، ممّا يؤدي فيما بعد لأن يكون الطفل محافظًا على مجتمعه، وهي تُنمي أيضًا القدرات الذهنية، فالرسم والمسرح والموسيقى تزيد تنمية القدرات الذهنية مثل الانتباه والتركيز والتذكر وقوة الملاحظة.

أما بالنسبة للتفريغ الانفعالي فإن المشاعر المكبوتة التي يخفيها الطفل تخرج أثناء هذه الحصص، إضافةً إلى شعور الطفل خلالها بوجود الرفاق فيكثر التحادث، ويتعرف بذلك على أفكار الآخرين والحياة الحقيقية.

وعن العقدة الحالية والنظام التعليمي، أشارت عليق لـ “أحوال” إلى أنّ عدد الحصص الفنية هو قليل بالأساس ولم يكن الأمر بحاجةٍ لحجر منزلي وابتعاد عن المدرسة كي يفتقد الطفل حصص الفنون أو الرياضة أو غيرها من المواد، وذلك لأنّ أهم المدارس في لبنان لا تعطيها الوقت الكافي، ولا يوجد مدرسة إلّا ما ندر، وتكون المدرسة تتبع منهج أجنبي، وهذا أوّلًا يعود لغياب الوعي التربوي على الرغم من ادعاءاتنا التربوية الكبيرة وثانيًا الاهتمام وصرف نصف الوقت على تعلم لغة ثانية.

كلُّ خطوةٍ نحو مستقبل الأجيال، تبدأ من التربية، وكلُّ إنجاز مسلكه الأول هو التعليم. الجميع مدرك لكمِّ الثغرات التي يواجهها النظام التعليمي ولكن أي تنمية لهذاالقطاع يجب أن تبدأ باكتشاف الكوامن داخل كلّ طالب وتمكين طاقاته.

 

فاطمة جوني

فاطمة جوني

صحافية لبنانية، مُعلقة صوتية، مهتمة بالشؤون الثقافية، وطالبة ماجستير قسم الصحافة الاقتصادية والتنموية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى