منوعات

صورة نور تختصر مأساة انفجار بيروت… يرويها لـ”أحوال” المصوّر رودريغ نجاريان

هي صورة تختصر مأساة بلد جميل، كان يعيش يوماً من أيّامه العاديّة المثقلة بالهموم، قبل أن يعصف به انفجار أدمى قلبه، وبعثر ما تبقّى من نور في نهاية النّفق.
التقطها المصوّر رودريغ نجاريان في يوم كان يخاله عادياً، قبل أن تسقط السماء على الأرض، وتترك جروحاً عميقة وندبات لم توفّر حتى الأطفال، فكانت نور صاحبة صورة سيذكرها التاريخ كلّما تذكّر أن انفجاراً وقع في مرفأ بيروت ذات يوم.
“ابتسامة الخوف” أطلق رودريغ على الصّورة اسماً، صاحبتها “نور” طفلة لا يعرف عنها المصوّر شيئاً، هي مجرد واحدة من آلاف المفجوعين، ناداه بريق عينيها، هرع لتجسيد تلك اللحظة الدراميّة بصورة، هو الذي يعشق الوجوه وتفاصيل الوجوه وما تختزنه من مشاعر إنسانية، وفي تلك اللحظة وصله خبر إصابة أحد أفراد عائلته، فترك المكان وسارع يلملم كاميرته وما تبقى من طاقات يواجه بها أخباراً سقطت على رأسه كما الصّاعقة، وبعد يومين نشر الصّورة ولم يتوقّع أن تصبح هي الحدث على مدى أيام، في بلدٍ يستهلك الأحداث بسرعة قياسيّة.
في اتصال مع “أحوال ميديا”، يقول رودريغ إنّه ليس مصوّراً صحفياً، بل مهندساً معمارياً وعمله في التّصوير يقتصر على التقاط الصور بطريقة فنّية، يتابع “في ذلك اليوم، كنت أتّجه نحو وسط بيروت لأزور شقيقي، وعندما وقع الانفجار كنت في منطقة الدّورة قريباً من الفوروم دي بيروت، ركنت السيّارة إلى جانب الطريق وكان بحوزتي كاميرا. حملتها ومشيت إلى أن وصلت إلى مار مخايل وكانت مشاهد الدمار لا توصف والناس في الطرقات، هناك شاهدت الطفلة”.
وعن تفاصيل لحظة التقاطه الصورة قال “كانت عيناها مضيئتين شعرت أنها تناديني، كان إلى جانبها رجل سألته إن كان بإمكاني أن ألتقط لها صورة؟ كانت الفتاة ووالدها في حال يرثى لها، سمح لي أن ألتقط الصورة، فوضعت الحقيبة التي كنت أحملها على ظهري أرضاً والتقطت الكاميرا وصوّرتها، وبينما كنت أهم بالتقاط صورة ثانية لها، تلقّيت اتصالاً من أحد أفراد العائلة، يخبرني أنّ منزل شقيقي تهدّم وأن ابنه مصاب ولا نعرف إلى أي مستشفى نقل”.
ترك رودريغ كل شيء أمامه وركض يبحث عن ابن شقيقه في المستشفيات، يقول “مجمل لقائي بالطفلة لم يتجاوز الدقيقة أو الدقيقة والنّصف فقط”.
يتذكر المصوّر حواره المقتضب مع الطفلة، كانت تبكي سألها عن اسمها قالت “نور”، طلب منها أن تبتسم يقول “كان أمامي فتاة صغيرة، خائفة جداً، كانت تبكي، سألتها: فيكي تضحكيلي؟ ابتسمت نور”.
هذا المزيج بين الدمعة التي كانت تجري على خدّي نور الخائفة المضرّجة بالدماء، وبين ابتسامة رسمتها للكاميرا كانت لحظة خلّدها بصورته مطلقاً عليها “ابتسامة الخوف”، كانت أبلغ تعبير عن صورة شعب يقاوم الموت ويرسم على وجهه ابتسامة أمل بالنهوض من بين الركام.
يقول رودريغ “من خلال عملي اكتشفت أنّ لدى الوجوه الفقيرة دائماً ما تخبره، وكنت دائماً أبحث عن وجوه لم يشتغل عليها أحد من قبل، خصوصاً أن الفوتوشوب وعمليات التجميل خربت وجوه الناس فلم يعد ثمة وجه على طبيعته، فكانت نور الفتاة الخائفة. هي تجسّد حال الناس الخائفين بعد الانفجار، هذا عن الذين كانوا في الشارع عند وقوع الانفجار فما بالك بمن كان في منزله ووقع الخراب فوق رأسه؟”.
لا ينشر نجاريان صور الدمار عبر حسابه على إنستغرام، يقول إنّه يريد أن يكون محفّزاً، وأن يخلق الأمل في نفوس الناس، وعندما قام بنشر الصورة، لم يكن يدرك حجم ردود الفعل وهو الغارق في لملمة خسائر الانفجار ومتابعة حالة ابن شقيقه الذي كان يعاني في المستشفى.
ورغم جمال الصّورة التي تداولتها الصّحافة العالمية، ثمّة من انتقد مصوّرها ورسم علامات استفهام، الفتاة ترتدي كنزة في فصل الصيف؟ حاول البعض التشكيك في توقيت التقاط الصورة، يجيب رودريغ “هذه ليست كنزة صوفية، بل مصنوعة من قطن يشبه الاسفنج، أوّل مرة أرى شيئاً كهذا”.
البعض شكّك أيضاً بما قيل عن أنّ الصّورة التقطت بعد سبع دقائق من وقوع الانفجار، فقد كان الدم ناشفاً على وجه الطفلة، يقول “ليس قصّة توقيت، بل قصّة نور التي تجسّد حال الخوف الذي سكن نفوس الناس وعيونهم بعد الانفجار، في عيني نور رأيت نور الله”.
لا يعرف رودريغ نجاريان شيئاً عن الطفلة، ولم يتسنّ له أن يحصل على رقم أهلها، فقد جاءه اتصال عائلته وهو يهم بالتقاط الصّور، فغادر المكان على عجلٍ، ولم يعرف حينها أنّ ما التقطه لم يكن مجرّد لحظة من عمر الوطن، بل صورة وطن لا يزال يبتسم رغم كل هذا الخراب.

إيمان إبراهيم

إيمان إبراهيم

صحافية لبنانية، خريجة كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. كتبت في شؤون السياسة والمجتمع والفن والثقافة. شاركت في إعداد برامج اجتماعية وفنية في اكثر من محطة تلفزيونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى