منوعات

خلاف حول آلية منع الإحتكار والمواطن ضحية

فضيحة تمسّ الأمن النقدي القومي

حوّلت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمالية منازِل اللبنانيّين إلى “دُكان” لتمّوين المواد الغذائية وصيدلية لتخزين الدواء ومحطة لتخزين المحروقات ومصرِف لإيداع المال على قاعدة “خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود”. حتى أنّ أحد المسؤولين البارزين في وزارة الاقتصاد تجوّل بين عدة “سوبرماركات” في بيروت لشراء الحليب لأولاده فلم يجِده بحسب ما قال لـ”أحوال”.

فما هي أسباب الأزمة؟

مصدر رسمي مطلع في وزارة الاقتصاد يشرح لـ”أحوال” أسباب تخزين واحتكار وتهريب المواد الغذائية سيّما المدعومة منها، ما يؤدي إلى فقدانها من الأسواق وحرمان الكثير من المواطنين من حاجاتهم الملحّة:

  • العقبات التقنية التي تعّترض عمليات الإسّتيراد في ظلّ جائحة “كورونا” والظروف والشروط الصحية التي تفرضها الدول.
  • العوائق المالية التي تعترض المستوّردين بسبب مماطلة مصرف لبنان بتحويل الأموال اللازمة بالدولار.
  • استغلال التجار للأزمات لتحقيق فائض من الأرباح.
  • تلكؤ الأجهزة الرقابية على أنواعها في مراقبة وضبط السوق من حين استيراد السلعة إلى لبنان، وصولاً إلى بيعها للزبون في المتاجر.

وإذ يشير المصدر إلى أنّ وزارة الاقتصاد تقوم بواجباتها ضمن الإمكانات الإدارية واللوجستية والمالية والقانونية المتاحة، يلفت إلى أنّه “كلّما أعلن مصرف لبنان أو وسائل الإعلام عن رفع الدعم، تختفي تلقائياً المواد المدعومة وسلع أخرى غير مدعومة، وترتفع أسعار المحروقات والأدوية وسعر صرف الدولار أيضاً؛ والسبب هو إقدام التجار على تخزين المواد المدعومة لبيعها لاحقاً بسعر السوق أملاً بتحقيق مزيدٍ من الأرباح، فضلاً عن إقبال المواطنين الكثيف على شراء كميات كبيرة من المواد لتخزينها خوفاً من فقدانها في السوق أو ارتفاع أسعارها في حال تم رفع الدعم عنها”.

ويُضيف المصدر: “لا يمكن لوم المواطن على تخزين الحاجات الضرورية خاصة للأطفال كالحليب والأدوية والمسكّنات وغيرها”. ويكشف أنّ “الخوف من فقدان السلع وارتفاع سعرها أو تقنين بيعها، يدفع المواطنين إلى المرور على أكثر من سوبرماركات أو صيدلية أو محطة وقود لابتياع كميات كبيرة من السلع الأساسية وتخزينها رغم عدم حاجتهم الآنية إليها”.

ويكشف المصدر نفسه أنّ “حملة مداهمة وزارة الاقتصاد الأخيرة شملت 13 مستودعاً لتخزين المواد الغذائية في بيروت والضاحية و4 في الشمال”.

“مافيات” التجار والنافذين يتحكمون بالأسواق

ويلاحظ المصدر أنّه “بعد المداهمة شهدت الأسواق ضخ كميات كبيرة من المواد المدعومة”؛ إلا أنّ كثير من أصحاب “السوبرماركات” في بيروت والجنوب نفوا لـ”أحوال” صحة هذا الكلام؛ مشيرين إلى أن “المواد المدعومة شبه معدومة في الأسواق ويجري تزويد المحال بالقطارة من قبل الشركات، وبكميات محدودة جداً، ما يدفع أصحاب المحال والدكاكين إلى أخذ هذه الكمية إلى منازلهم أو توزيعها على عائلاتهم وأقاربهم”. والسبب كما يقول هؤلاء بكل صراحة وشفافية: “لن نبيع المدعوم للزبائن ونشتري لعائلتنا وأقاربنا بسعر السوق”. ويطالب صغار التجار وزارة الاقتصاد بتعيين مراقبين على كل المواد المدعومة الموزّعة، لمعرفة كيفية توزيعها مع التدقيق بفواتير المبيعات للمقارنة بين الكمية والسعر وحجم الربح”.

وتوضح مصادر مطلعة لموقعنا أن “المواد المدعومة باتت أكثر قوّننة لكن يجري توزيعها على السوبرماركات وفق الواسطة. حيث لا تتعدى فاتورة السلع المدعومة لبعض السوبرماركات 10 مليون ليرة أي لا تكفي ليومين ولا يحصلون على طلبية أخرى إلا بعد مرور شهرين، فيما محال أخرى تصلها كميات أكبر وبشكلٍ دوري لكنها تبيع قسماً منها على السعر المدعوم والباقي بسعر السوق”. وتضيف: “كارتيل من التجار يحظون بواسطة من فاعلين في وزارة الاقتصاد ويحصلون على الكميات الأكبر من الشركات الموزّعة وبالتالي يتحكّمون بالسوق وبالكميات وبالسعر”.

فهل ما يجري هو تقاسم للإستفادة بين الشركات الكبرى وكبار التجار في السوق ومسؤولين نافذين في الدولة والوزارات المعنية؟

ما هو الحل؟

وبحسب مصادر وزارة الاقتصاد، فإنّ هناك 25 ألف محل سمانة في لبنان ومن غير المعروف كم يبلغ عدد المرخصين. وعرضت وزارة الاقتصاد بحسب معلومات “أحوال” اقتراحاً يُساهِم في ضبط عمليات التخزين والإحتكار، وقد تم الاتصال بمحافظي المناطق لتوظيف مراقبين اثنين في كل بلدة يجري تدريبهم على ضبط المخالفات لكن الإقتراح لم يلقَ رد المحافظين حتى الآن.

وتكشف المصادر أن “التهريب الأكبر يجري عبر الحدود السورية اللبنانية لوجود تداخل بين البلدين والشعبين والطبيعة الجغرافية التي تسمح بذلك؛ وهذا الأمر ليس جديداً بل عبر التاريخ وهذه مسؤولية الأجهزة الأمنيىة، أما التهريب إلى دول أخرى فهو مضخم ولا يتعدى نسبة ضئيلة”.

تبادل الإتهامات والمسؤوليات

ومنذ يومين عُقِد في السراي الحكومي اجتماعان هامان متلاحقان برئاسة الرئيس دياب، الأول حول “ملاحقة تخزين المواد المدعومة”، حضره عدد من الضباط الأمنيين ووزير الاقتصاد ومدير العام الوزارة محمد أبو حيدر، والثاني حول  “إعادة أموال التصدير”.  وتبيّن خلال ما عرضه الضباط والمسؤولين في وزارة الاقتصاد أنّ عمليات التخزين والإحتكار والتهريب مستمرة، وأنها أقوى من الآلية المعمول بها لمكافحة الإحتكار والتخزين. وقد حصل تبادل للإتهامات والمسؤوليات بين المسؤولين عن تطبيق الآلية، ما أثار امتعاض وغضب الرئيس دياب الذي انتقد فشل الأجهزة المعنية بتنفيذ الآلية وتناقض التقارير بين الكميات المدعومة الواردة في الفواتير وتلك التي تُوزع في الأسواق. وبحسب المعلومات لم ينتهِ الاجتماع إلى إتفاق واضح حول كيفية مواجهة “مافيات” السوق، إلا بالعمل على تفعيل الآلية القائمة وتعزيز التنسيق بين حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد بين فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وأمن الدولة واستخبارات الجيش.

عوائق تُعيق مهمّة حماية المُسّتهّلك

وتشكو مصادر مديرية حماية المستهلك لموقعنا عن وجود عوائق عدة تعيق عمل موظفي المديرية، أولها نقص العديد والخوف من ردات فعل أصحاب المحال التجارية خصوصاً في القرى، فضلاً عن الصلاحيات الممنوحة لهم في ضبط المخالفات. وعلم “أحوال” أنّ حملة المداهمة الأخيرة لوزارة الاقتصاد استندت إلى معلومات استخبارات الجيش. فيما تدعو مصادر مطلعة على الملف وزارة الاقتصاد إلى التدقيق في الفواتير الجمركية للمستوردات، أي من المنشأ، ومراقبة توزيعها من قبل الشركات على “السوبرماركات” وصغار المحال التجارية كحلٍ وحيد لمكافحة التخزين والإحتكار والتلاعب بالأسعار والتهريب.

فضيحة “أموال التصّدير”

وتكشف مصادر “أحوال” عن فضيحة تمسّ الأمن النقدي القومي، وهي قيام بعض التجار الذين يصدرون محاصيلهم الزراعية والصناعية للخارج إلى استيفاء عائداتها في مصارف دول أجنبية وعربية وليس إلى لبنان. وذلك بالطلب من التجار المستوردين في الخارج بتحويل هذه العائدات إلى حساباتهم في مصارف خارجية لعدم ثقتهم بالمصارف اللبنانية. ما يحرُم لبنان من ملايين الدولارات الطازجة التي يحتاجها السوق لتحريك العجل الاقتصادية وحركة التجارة، ويزيد من اختلال ميزان المدفوعات الواقع في العجز أصلاً، وبالتالي المزيد من الضغط على العملة الصعبة ورفع سعر الصرف.

محمد حمية

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى