مجتمع

انفجارٌ فرّق الأحبّة.. ولـ”عيد الحب” في زمن كورونا حكاية أُخرى

عضو نقابة أصحاب المشاتل والزهور في لبنان لـ"أحوال": غياب دعم الدولة لمزارعي الورود أدى إلى فقدان الورد البلدي من السوق

يحلّ عيد الحب على لبنان هذا العام ضمن أجواء حزينة، غير مشجّعة على الاحتفال. فمدينة الحب والحياة مُدمّرة، والمنازل والأبنية تحاول جاهدة الصمود بعدما هزّها انفجار الرابع من آب؛ أما الشعب فيتظاهر بالبقاء على قيد الحياة بينما القلوب احترقت على فراق الأحبّة، هؤلاء الذين قتلهم إهمال دولة فاسدة ومهملة ومستهترة، دولة تركت “نيترات الموت” لسنوات، حتى انفجرت تلك الأخيرة وقضت على مدينة بسكانها.

وإلى جانب الألم الذي زرعه انفجار مرفأ بيروت في قلوب المواطنين، تفاقم أزمة انتشار وباء كورونا جاء ليخطف أجواء الفرح والأعياد، حيث بات المرض بديلًا وغلبت أجواء الحزن على فراق العديد من الأشخاص نتيجة هذا الفيروس اللعين، الذي اقتحم حياة الناس دون إذن مسبق.

وبسبب انتشار كورونا وفشل الدولة اللبنانية في إدارة الأزمة، ارتأت الأخيرة اقفال البلد اقفالًا تامًا للحد من تفشي الوباء، ما أدى إلى إغلاق المحال التجارية والمطاعم والأماكن السياحية وغيرها، فتوقفت عجلة الاقتصاد في البلد وبات إنقاذ القطاع الصحّي على حساب الاقتصاد المهترئ أساسًا.

“لن نشتري هذا العيد وردة، ستكونين أنتِ الوردة”، قد تكون هذه العبارة الأكثر تداولًا اليوم بين العشاق، في ظل الوضع الاقتصادي الصعب والغلاء الفاحش وارتفاع سعر صرف الدولار، حيث فُقد من السوق الورد المحلي، وطغى الورد الأحمر المستورد بالعملة الصعبة، ما يفرض على التجار وأصحاب المحال بيعها بسعر مرتفع، ليتخطى سعر الوردة الواحدة الـ10 آلاف ليرة لبنانية، وتصل أسعار باقات الورود المزيّنة إلى المليون ليرة وما فوق، وفقًا للأسعار الموجودة على صفحات محلات الورود على الانترنت.

ولكن رغم هذا الغلاء، لم يتردد عدد كبير من الأشخاص من صرف أموالهم لإرضاء الحبيب، حيث أكد أحد أصحاب محال الورود في حديث لـ”أحوال” أن الطلب على باقات الورد كان كبيرًا هذين اليومين، حتى أنه تفاجأ من العدد الذي حققه حيث عوّض إلى حدّ ما عن الخسارة التي تكبّدها طيلة فترة الإغلاق، خصوصًا أن الدولة اللبنانية سمحت لأصحاب محال الورد بفتح محلاتهم يومي السبت والأحد من التاسعة صباحًا وحتى الثانية بعد الظهر، شرط اعتماد خدمة الديليفري لإيصال الطلبات، ما شجّع العديد من الأشخاص لحجز الهدايا ومفاجأة أحبائهم رغم الأجواء غير المشجعة للاحتفالات على كافة الأصعدة.

الربح الذي حقّقه أصحاب محلات الأزهار في عيد الحب، جاء على حساب المزارعين وأصحاب المشاتل التي تُعنى بزراعة وإنتاج الأزهار والورود الطبيعية، حيث أشار عضو نقابة أصحاب المشاتل والزهور في لبنان، عادل كيريلوس، في حديث لـ”أحوال”، إلى أن الواقع مزرٍ جدًا وهناك تقصير واضح من قبل المعنيين في دعم المزارعين ومساعدتهم على الإنتاج، “وذلك من خلال تأمين المستلزمات التي يحتاجونها لإنتاج الورود، والمتمثلة بالأدوية والمواد الكيميائية المطلوبة، إلى جانب التدفئة اللازمة للخيم لإنتاج الورود”، مضيفًا: “غياب دعم الدولة لمزارعي الورود، أدى إلى فقدان الورد البلدي من السوق، والاستعاضة عنه بآخر مستورد من الخارج بالعملة الصعبة، وبالتالي دفع أموال هائلة بسبب ارتفاع سعر الصرف، علمًا أن سعر الورد البلدي هو أرخص من المستورد لو تمّ دعمه بشكل صحيح”.

أما الحل فهو بسيط، وفقًا لكيريلوس، ويكمن في وضع خطّة زراعية واضحة، يتم تنفيذها من قبل المزارعين، فتدعمهم وتساعدهم على زيادة الانتاج المحلي، “ولكن لا آذان صاغية، وجميع المعنيين يظهرون “لامبالاة” لحال المزارع، رغم مطالباتنا المستمرة كنقابة ومزارعين، إلا أن الأولويات تُعطى لأمور أخرى أقل أهمية ولا تعود بمنفعة على المواطن والوطن والاقتصاد على حد سواء”.

وفي سياق متّصل، فلطالما انتظر قطاع الفنادق، الذي يواجه واقعًا اقتصاديًا صعبًا أيضًا، موسم الأعياد والمناسبات للتعويض عن خساراته المتتالية، إلا أن ما فرضه الوضع الصحي هذا العام حال دون ذلك. وبحسب نقيب أصحاب الفنادق في لبنان، بيار الأشقر، فأجواء الأعياد غائبة هذا العام نتيجة الإغلاق الحاصل في البلد ومنع التجول ومنع إقامة الحفلات والتجمعات، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي قضى على رغبة الناس بالاحتفال.

ولكن على الضفة الموازية، لم يشأ البعض أن يمضي هذا اليوم من دون الاستمتاع برفقة الحبيب، حيث لفت الأشقر في حديث لـ”أحوال” إلى أن العديد من الأشخاص اختاروا المنتجعات البعيدة عن المدينة، كون الفنادق غير قادرة على إقامة الحفلات والسهرات المعتادة بحضور الفنانين، والتي تستقطب العديد من الجماهير، لذا فضّل البعض الاستعاضة عن تلك السهرات بتمضية يومهم بين أحضان الطبيعة وعلى قمم الجبال، بعيدًا عن زحمة المدينة وضوضائها، وهو ما بدا جليًا من منشورات رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين اختاروا المنتجعات الجبلية لتمضية يومهم المميّز.

رغم الأزمات والصعاب، يحاول اللبناني الاستمتاع بكل لحظة بفرح، فيبعد لبرهة من الزمن عن الهموم والمشاكل التي ترافقه، ويتمسّك بقدرته على خلق أجواء ممتعة ومميّزة، قد تكون سبيله الوحيد للاستمرار رغم الأعباء المتتالية، في بلد كلّ ما فيه على حافة الانهيار.

ياسمين بوذياب

ياسمين بوذياب

صحافية لبنانية، عملت كمراسلة ومحررة أخبار في عدة مواقع الكترونية إخبارية وفنيّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى