منوعات

من حكومة خلال يومين إلى حكومة تحتاج 11 شهراً… ما هو دور رؤساء الجمهوريّة؟

ينص الدستور اللبناني في البند الثاني من المادة 53، على أنه “يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يُطلعه رسمياً على نتائجها، وينص في البند الرابع من المادة نفسها على أنه “يُصدر رئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة، ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم”، وينص في البند الثاني من المادة 64 على أن رئيس الحكومة المكلف يجري الإستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها.
إنطلقنا من هذه المقدمة الدستورية للحديث عن دور رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومات، ورغم وضوح المواد، إلا أن الخلاف بين الرئيس عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وصل إلى مستويات غير مسبوقة، خلال محاولة تشكيل الحكومة الـ 77 بتاريخ لبنان، فكيف كانت تُشكل الحكومات سابقاً؟

ما قبل الطائف…

في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف، لم يكن تشكيل الحكومات مشكلة، فكانت الأمور سهلة يسيرة بيد رئيس الجمهورية القابض على أغلب الصلاحيات، فعلى سبيل المثال شُكّل في لبنان قبل الإستقلال حكومة ثلاثية ضمّت بشارة الخوري، نجيب أبو صوان، وحسين الأحدب، وتكررت التجربة نفسها عام 1952. وقعت الحرب الأهلية عام 1975، وانتهت بتوقيع إتفاق الطائف، ولكن مرحلة ما بعد الطائف لا يمكن الحديث عنها كمرحلة واحدة، فإبان الوجود السوري، ليس كما بعده.

الهراوي – لحود

البداية من عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي الذي استمر من العام 1989 حتى العام 1998، وتشكّل في هذا العهد 6 حكومات، كان للإدارة السورية اليد الطولى في تشكيلها، حيث كان موقف رئيس الجمهورية مطابقاً للغرادة السورية، فالمطلوب أولاً وأخيراً هو موافقة السوريين، الحكومة الأولى لسليم الحص احتاجت إلى 13 يوماً لكي تولد، ، ثم حكومة عمر كرامي التي تشكّلت خلال 5 أيام، والثالثة لرشيد الصلح عام 1992، تشكلت خلال 4 أيام، وثلاثة حكومات لرفيق الحريري.
في عهد إميل لحود الذي استمر منذ العام 1998 حتى العام 2007، لم يتبدّل المشهد، فكان رئيس الجمهورية حليف السوريين، وتشكيل الحكومات يتم بالتوافق بين السوريين والقوى الأساسية، فتشكّل في لبنان 6 حكومات أيضاً، الأولى لسليم الحص، وهذه الحكومة تملك الرقم القياسي كأسرع حكومة تُشكّل في لبنان، احتاجت إلى يومين اثنين فقط لا غير، ومن ثم سيطر رفيق الحريري على مجلس الوزراء، حتى ما قبل اغتياله، يوم شكل عمر كرامي حكومته في تشرين الاول عام ٢٠٠٤، فحاولت لملمة كارثة الاغتيال، ولم تنجح.

فجاء بعده نجيب ميقاتي لأشهر قليلة، ثم مندوب آل الحريري فؤاد السنيورة. في هذه المرحلة كان رئيس الجمهورية إميل لحود شبه محاصر، ووُلد صراع 8 و14 آذار، وخرج السوريون من لبنان، وتبدّل مشهد تأليف الحكومات، ما يُدخلنا في المرحلة الثانية من ما بعد الطائف.

من ميشال سليمان إلى ميشال عون

في هذه المرحلة بدأ الصراع السياسي المحلي يأخذ مكانه في الحياة السياسية، فمع غياب “السوري” تعدّدت الأقطاب، والحكومة الأولى بعد خروج السوريين لا تُحتسب، لأنها كانت لاجل تنظيم الإنتخابات النيابية، وترأسها نجيب ميقاتي، وبعد الإنتخابات كان للتحالف الرباعي سطوته على تشكيل حكومة فؤاد السنيورة، فتشكلت خلال 19 يوماً فقط.
سقطت الحكومة بعد تصادم أقطابها، وغياب الميثاقية عنها، ووصل ميشال سليمان إلى بعبدا بطائرة قطرية عبر اتفاق الدوحة الذي أنهى حوادث 7 أيار، فبدأ عهده بإرضاء الجميع، وكان يسعى ليكون وسطياً، ولكن رغم اتفاق الدوحة ورعايته للحكومة، استغرقت حكومة السنيورة 130 يوماً لتولد، وبعدها حكومة سعد الدين الحريري عام 2009 والتي احتاج الحريري فيها الى محاولتين، الأولى استغرقت شهرين ونصف، ثم اعتذر عن التكليف، ثم كُلّف مجددا، ليشكّل بعد شهرين إضافيين.
أما الحكومة الثالثة في عهد سليمان فكانت حكومة الفريق الواحد وترأسها نجيب ميقاتي واحتاجت 5 أشهر لتولد، والرابعة حكومة تمام سلام واحتاجت إلى أطول فترة وهي 11 شهراً.
في عهد ميشال سليمان كانت التوازنات السياسية في البلد تحكم مسألة تشكيل الحكومة، ولم يكن لرئيس الجمهورية حزب وتيار، الأمر الذي تبدّل في عهد ميشال عون (2016 – ) الذي شهد ثلاث حكومات حتى اليوم، أولى لسعد الحريري احتاجت إلى 45 يوماً، وثانية للحريري احتاجت إلى 9 أشهر، وثالثة لحسان دياب.
رغم التسوية الرئاسية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، لم تكن مسألة تشكيل الحكومات سهلة في عهد عون، لأنها كانت المرة الاولى التي يكون لرئيس الجمهورية فيها تيار سياسي كبير، وما نُعانيه اليوم يدخل في هذا الإطار، لذلك يعتبر تيار المستقبل أن إصرار رئيس الجمهورية على الطريقة ذاتها في تشكيل الحكومات لن يؤدي إلى نتيجة، ويعتبر الوطني الحر أن تهميش رئاسة الجهورية لن يؤدي إلى مكان.

الدستور فرض التعاون

فرض الدستور اللبناني التعاون بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة، والمرحلة الأولى من العمل تقع على عاتق رئيس الحكومة المكلف الذي يُجري الإستشارات والمشاورات، ويضع رئيس الجمهورية بجوّها ثم يرسم “لوحة” حكومته، التي سيكون مسؤولاً عن أعمالها أمام المجلس النيابي، ومن ثم يتوجه إلى رئيس الجمهورية ليعرض عليه التشكيلة.
ويُجيز الدستور لرئيس الجمهورية أن يُبدي ملاحظاته على التشكيلة، ويطلب تعديلها، بشكل يجعله مقتنعاً بها، وهذا الدور بحسب الدستور ليس دوراً شكلياً، وبالتالي على الرئيسين العمل سوية، ولا يمكن لهذا الأمر أن ينجح بحال كانت الثقة مفقودة بينهما كما هو الحال اليوم.
إذا المشكلة ليست بالدور والصلاحيات بقدر ما هي بالثقة المتبادلة، وهذا يُعيدنا إلى ما قبل الإستشارات النيابية الملزمة، يوم تمنى عون على النواب، ولو بشكل غير مباشر، عدم تسمية الحريري.
إن هذه العقبات التي تواجه الحكومات قبل تشكيلها، تجعل من البحث عن حلول دستورية لتطوير النظام اللبناني امراً ضرورياً، لكي لا يتفرّد طرف بالقدرة على تعطيل وطن.

محمد علوش

صحافي لبناني، يحمل إجازة في الحقوق وشهادة الماستر في التخطيط والإدارة العامة من الجامعة اللبنانية. بدأ عمله الصحافي عام 2011، وتخصص في كتابة المقالات السياسية المتعلقة بالشؤون اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى