منوعات

مخطط سياسي أمني خلف الحملة على حزب الله

فهل يُمهِّد لعمليات اغتيال جديدة؟

لم تمّضِ ساعة على إعلان وفاة الناشط السياسي لُقّمان سليم وقبل إجراء التحقيقات الأوّلية في الحادثة، إنطلقت حملة سياسية إعلامية تُصوّب أصابِع الإتهام مباشرة إلى حزب الله بالإغتيال.
واستند مُطلِقو الحملة على أنّ الإغتيال وقعَ في الضاحية الجنوبية حيث يُحكِم حزب الله قبضته الأمنية والسياسية، وأنّ سليم معارض شرِس لسياسات ثنائي أمل وحزب الله، وتلقّى تهديدات عدة منها كما تقول عائلته.
وبمعّزلٍ عن أحقّية ومنّطقية الإتّهام، لكن مراقبة ردود الفعل والمواقف خلال الأيام التي تلَت الإغتيال ترسِمُ علامات استفهامٍ عدة حوّل خلفياتها وأهدافها… فهل هي محضُ صدفةٍ كتعبيرٍ عن مشاعر غضب عفوية وحالة إنفعالية لدى عائلة سليم ومعارضي الحزب تحت وطّأة بشاعة الجريمة، أم تحّمُل في طياتها مشروعاً إعلامياً سياسياً استكمالاً للهدف الأميركي المحوري والمركزي أي تشّويه صورة حزب الله؟


خطّة إعلامية سياسية مُبرّمجة

وبعدما أدان حزب الله عملية الإغتيال، أعلنت كتلة الوفاء للمقاومة اليوم أنّ “الحملات الإعلامية الموجهة والإتهام السياسي تستوّجِب الملاحقة والمحاسبة لأنها تسّتهدِف التحريض وإثارة الفوضى وتقديم خدمات مجانية للعدو الإسرائيلي ومشغِّلته أميركا”.
مصدر مُطّلع على موقف حزب الله يقول لـ”أحوال” إن “تتبُع ما حصل منذ لحظة الإغتيال حتى الآن يدُل بوضوح على وجود حملة إعلامية مبرمجة وممنهجة وموجهة لاستغلال الجريمة بهدف زرع الشكوك في بيئة المقاومة، بأنّ الحزب نفّذَ الجريمة لخدمة الهدف الذي اشتغل عليه الأميركيّون منذ العام 2005، أي شيطنة الحزب وتشويه صورته في بيئته الداخلية والوطنية وفي العالم”.

ويُذكّر المصدر بما كشفه السفير الأميركي السابق في لبنان، جيفري فيلتمان، بأنّ بلاده أنفقت 500 مليون دولار لتشويه صورة الحزب”. ويضيف بأن هذه الخطة تلاقي استثمار الأزمة الاقتصادية والأوضاع المعيشية الصعبة من خلال تحميل الحزب مسؤولية الأزمة لتأليب بيئته عليه.

وإذ يُشير المصدر إلى أن لا توجه لدى الحزب لرفع دعاوى على الأصوات والأقلام التي تتهمه بالإغتيال، لكن الأمر وارد لإسكات أصوات الفتنة؛ وسبق للحزب أن أقام دعاوى على سياسيين كفارس سعيد وغيره. “لأنّ اتهام الحزب يسّتفِز شريحة واسعة من اللبنانيين في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي”. ويكشُف المصدر بأنّ توجه الحزب لا يستهدف أشخاص بقدر ما يستهدف مشروعاً فتنوياً بضرب المقاومة من خلال الإتهامات والتحريض الإعلامي. ويلاحظ أن الأصوات الإتهامية خرجت في توقيت واحد وعبر بيانات مستّنسخة، وكأنّ غرفة عمليات أصدرت تعليمة واحدة للجميع.


مشهدان متناقِضان في الضاحية الجنوبية

وما يُعزِز هذا الإعتقاد بحسب المصدر هو استثمار دم الضحية من خلال “همروجة” التشّييع سيما مشهد وجود السفيرة الأميركية في الضاحية مع حشدٍ سياسي إعلامي معارض للحزب خرق قرار الإقفال وحظر التجول لتوجيه رسالة سياسية للحزب بأن معارضيه ومن خلفهم الأميركيين موجودون في الضاحية.
وفيما حاول المحتشِدون تسجيل انتصارٍ سياسي – إعلامي على الحزب بأن المعارضة نجحت بخطتها الإعلامية وهجومها السياسي بالدخول إلى الضاحية وإطلاق المواقف منها، حاولت بعض شخصيات المعارضة تظهير قوة هذا الإنجاز بالقول إنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لا يستطيع التجول علناً في الضاحية فيما السفيرة الأميركية تسّرح وتمرح!

يُعلِق المصدر المطلع على موقف الحزب على ذلك، ويُشير إلى أن “الضاحية كأي منطقة في لبنان وأبوابها مفتوحة لجميع اللبنانيّين حتى المعارضين منهم، وأيضاً لسفراء الدول الأجنبية والعربية”. ويُذكِر بالجولات التي نظمها إعلام الحزب في الضاحية لدحض المزاعم الإسرائيلية حول وجود صواريخ في الأماكن السكنية والمطار. كما يضيف المصدر بأن “السفير الفرنسي ودبلوماسيين أجانب آخرين يلتقون مع الحزب في الضاحية”. لكن المصدر يكشُف بأن مشاركة السفراء في تشّييع سليم ليس عرضياً ولا مجرد مشاركة في مناسبة اجتماعية، بل يُخفي مخططاً سياسياً أمنياً.


متهمو الحزب يناقِضون أنّفسهم

لكن مطلقو حملة اتهام الحزب أوقعوا أنفسهم في تناقضٍ فاضح. فهم يتهمون الحزب بالسيطرة على الضاحية بالقبضة الحديدية ويقفلها أمام معارضيه ونشاطاتهم، فيما السفيرة الأميركية تجول وشخصيات المعارضة تمرح وتطلق المواقف من دون أي ردة فعل من جمهور حزب الله وحركة أمل. وبحسب معلومات “أحوال” فإن منزل عائلة سليم كان مواجهاً لمكتب أحد نواب حزب الله ولم يتعرّض له أحد.

ويردّ المصدر على نظرية اتهام الحزب بالإغتيال كون مكان الجريمة يخضع لسيطرته الأمنية، ويُذكِر بأنّ “الموساد الإسرائيلي تمكّن من الدخول إلى الضاحية ونفذ أكثر من عملية أمنية فيها لا سيما اغتيال قيادات هامة في المقاومة كغالب عوالي وحسان اللقيس”.

لماذا أخّفت عائلة سليم هاتفه؟

ويضيف المصدر بأن “الحزب أول من طالب بالتحقيق وكشف ملابسات الجريمة وتجميع الأدلة وتفريغ كاميرات المراقبة على الطرقات وداتا الهواتف، لكن ذلك من مهمة الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة، والحزب مستعد للتعاون بأي جانب تطلبه القوى الأمنية”. أما السؤال الذي يجب أن يُوجّه للآخرين، بحسب المصدر، فهو: لماذا حجبت عائلة سليم هاتفه وتمنّعت عن تسليمه للقوى الأمنية حتى الآن؟ فهل تمّ محو “الداتا” والتلاعب بالأدلة؟ وهل يجري تحضير وفبركة أدلة لاتهام حزب الله على غرار ما حصل في جرائم إغتيال وقعت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005؟

هذه الأسئلة والشكوك تؤسِس لسؤال أخطر: هل أن المُخطّط الإعلامي والسياسي يُشكِل الحلقة الثانية من عملية الإغتيال؟ وإذا ثَبُتَ ذلك فإنه يُمهِّد لكشف سبب الجريمة ويُعزِز فرضية تورط العدو الإسرائيلي، خصوصاً أنّ الإغتيال أتى بعدما كشفت الأجهزة الأمنية عن عدة شبكات إرهابية فضلاً عن اكتشاف عميلٍ إسرائيلي في عربصاليم الجنوبية. فهل يهِدف هذا المخطط الإعلامي والسياسي لتحضير المسرح لعمليات اغتيال جديدة؟

محمد حمية

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى