منوعات

في مئوية لبنان: هل من حاجة لبقاء هذا الكيان؟

تعالوا نفكر بالبدائل

لم يكن ينقص هذا الكيان الهش سوى جائحة كورونا وانفجار شبه نووي حتى يكتمل المشهد، هي بلاد الأرز “الولاّدة للأزمات” وقد وصلت إلى لحظة الحقيقة العارية: كل فلسفة بقاء هذه البلاد متماسكة قد تلاشت.

عودٌ على بدء، قيل الكثير الكثير عن تأسيس الكيان اللّبناني، وقيل أكثر في فلسفة وأهمية وجود الوطن “الملجأ” وسط صراعات الأكثرية والأقلية في المنطقة، ونُشرت الكتب والمجلّدات في وصف “إشعاع النور” من ساحل بلاد الشام الغربي وسط الظلام المحيط.

ورغم أنّه في هذه العجالات من الأسطر يصعب الغوص بأعماق الفكرة “اللبنانوية” وكيف نمت النظرية في فترات الإمارات الجبلية التي حاولت شكل من أشكال الاستقلال الذاتي أو النفوذ السلطوي، ومن ثم كيف تقاطعت المصالح المحليّة والغربيّة على قيام هذا الكيان في لحظة استقرار ترددات الزلزال العالمي وبناء الخرائط الجديدة.

الإعلان جاء في العام 1920، أي بعد نهاية الحرب الأولى وبعد مجاعة ضربت قلب المساحة الاستقلالية في جبل لبنان، وقد أدّت إلى إبادة نحو ربع سكان هذه البقعة الجغرافية، وهزّت أسس التركيبة الاجتماعية والسياسية والثقافية وجعلت منها مساحة مفكّكة وهامشية لفترة من الزمن، ومن هنا تفتقت فلسفة الضم لحاجة القلب للأطراف. (وبالمناسبة تحتاج مجاعة العام 1915، بأسبابها ونتائجها وآثارها، لأبحاث علمية وموضوعية حتى نفهم ما جرى بشكل حقيقي ومنطقي ولماذا؟ وأي تفسير منطقي لغياب الكارثة عن مناهج التربية المدرسية (بضعة أسطر في كتاب التاريخ بشكلٍ عابر) وغيابها عن أساطير الإعلام والثقافة “اللبنانوية” العامة؟.

إذن، قيام لبنان الكبير بضم مناطق الأطراف إلى القلب- الجبل- جاء تحت شعارات مصلحية، من قبيل الحاجة لمساحات زراعية أو لتوازن سكاني أو للموانئ… في حين يتحدّث المبشرين بالكيانية أنفسهم عن جبل لبنان بكثير من المركزية المؤسسة الممزوجة بالكثير من الوجدانيات والشعر وأوهام الخيال.

فيما بعد الإعلان في أيلول 1920 قامت فلسفة روّاد الكيان على شعارات وقيّم وعناوين الحريات والاقتصاد الحر وثنائيات البحر–الجبل، صلة-وصل الشرق-والغرب، ملجأ لتعدديات مذهبية ودينية وصورة المصارف البرّاقة والسياحة الجنسية والخدمية…، ويقفز هؤلاء عن مسلسل الحروب والأزمات التي وقعت على أنّها معارك الآخرين على أرضنا وأطماع خارجية فقط دون أي عوامل داخلية.

 

عام سقوط أوراق التين

ومن هنا وفجأةً، أطلّ علينا العام 2020، وفي ذكرى الإعلان، وبجعبته كل الأسئلة الصعبة دفعةً واحدة، من البديهيات وكأنّنا ما زلنا في قرون الصراع بين القبائل، لنعود ونسأل “هل يصلح هذا الكيان للاستمرار”؟.

في هذا العام تساقطت كلّ أوراق التين عن جسد مسخ الوطن، فتهاوت مفخرته المصرفية بنهبٍ منظّمٍ ومنسّقٍ بين إقطاعه السياسي والمالي، وتشلّعت أيديولوجية الجمال والطبيعة حين غزت جرّافات ومتفجّرات الحكام كل بيئته، وأكملت الحرائق ما على ما تركه تجار الكيان، وتحوّلت ميزة اللّبناني “الحربوق” إلى مجرّد وسيط وسمسار ترك أرضه وتخصصه وصناعته ولحق بركب المرابين، وحين وقعت الواقعة وأقفلت الطرق والمطارات وقف باكيًا سائلًا ماذا نأكل ومن أين نأتي بالعملات الصعبة؟ فهل يصلح أن تبقى “هذه الشعوب اللّبنانية” متعايشة في هيكل بناء دولة مهترئ ومتهاوي؟.

كيف يمكن لهذه الكتلة من التناقضات أن تحيا وهي تتناحر في الوباء؟ وعلى الوباء؟ ومصدر الوباء؟ وناقل الوباء؟ وحامل الوباء؟ وتوزع المصابين بالوباء على المناطق والطوائف؟.

كيف يمكن أن تكمل الحياة طبيعية مع أفكار ورؤى وهلوسات غير طبيعية؟ كيف يمكن أن ننقذ الأجيال الحالية والقادمة من سطوة الإقطاع والسفلة الذين سخّروا كل ما في هذا اللّبنان لمصالح قلّة قليلة؟.

 

هل يتمكن دايناصورات النظام من الصمود؟

ولماذا كورونا السبب؟ في كل التبشير المحلّي والعالمي يقال إن ما بعد هذا الفيروس ليس كما قبله والعالم حتمًا سيتغيّر، فهل يتمكن دايناصورات النظام من الصمود؟ أم سيتأقلمون مع روّاد المحور الجديد المتقدّم في المنطقة ورأس حربته في لبنان حزب الله؟.

في العام 2020 وقعت الواقعة وسقط الهيكل اللّبناني، فهل تتمكن الطبقة الحاكمة من جرّ الناس إلى حرب أهلية جديدة؟ أم أنّ من يريد الحرب لا يستطيعها ومن يستطيعها لا يريدها؟ أم تمسك الناس بزمام المبادرة وتخرج إلى رحابٍ جديدة بعقد اجتماعي جديد؟ هل نحن بحاجة فعلًا إلى راعٍ خارجيّ دومًا؟

تجارب القرن الماضي اللّبنانية لا تبشر بالخير وإن كنّا “محكومون بالأمل دومًا”، ولكن لا مناص من طرح مسائل جذرية في مقاربة المسألة اللّبنانية، وهل من حاجة لبقاء هذا الكيان؟.

تعالوا نفكر ببدائل منطقية.

 

عامر ملاعب

عامر ملاعب

كاتب وصحافي لبناني، يحمل شهادة الدبلوم في التاريخ من الجامعة اللبنانية، عمل في صحيفتي الأخبار والحياة. أعد وقدم برامج في قناة الثبات الفضائية، وإذاعة صوت الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى