منوعات

مصرفيون يحوّلون 3.5 مليار دولار إلى الخارج

في وقت يستجدي اللّبنانييون حقّهم في الحصول على أموالهم التي احتجزتها المصارف من دون وجه حق، يجهد بعض المصرفيين النّافذين إلى حماية دولاراتهم، عبر “تهريبها” إلى الخارج على شكل تحويلات، بعد أن استغلوا فترة الإقفال التاّمّ لتمرير “صفقاتهم” بلا حسيب ولا رقيب؛ فضيحة من النّوع الثّقيل تم الكشف عنها مؤخراً لـ “أحوال”، في ظلّ القيود التي تفرضها المصارف على  العمليّات النّقديّة وسحب الأموال وتحويلها.

معلومات مسرّبة عن تهريب الأموال

معلومات مسرّبة يكشف عنها عضو جمعيّة “صرخة المودعين” فراس طنّوس لموقعنا، والذي يؤكّد في تفاصيلها أنّ بعض المصارف عمدت خلال فترة الاقفال التّامّ، إلى تحويل 3.5 مليار دولار إلى بعض الدّول، منها سويسرا، قبرص ودبي، وتعود هذه التّحويلات إلى مصرفيين وأصحاب مصارف كبرى، مشيراً إلى أنّ التّعليمات بخصوص تنفيذ مثل هذه العمليّات، عادة ما تأتي من مراكز إداريّة عليا في المصارف، ويقوم بها أشخاص محدّدين بطلب من الإدارة، وسط تكتّم تامّ.

و أثارت هذه المعلومات نقمة كبيرة لدى “صرخة المودعين”، خصوصاً أنّها تأتي في الوقت الذي تفرض فيه المصارف قيوداً مشدّدة على سحوبات المودعين، وتحظر عليهم تحويل أي مبلغ بالعملات الأجنبيّة إلى الخارج، بمن فيهم التّجار المضطرّين إلى سداد ثمن بضائعهم المستوردة، وحتى المواطنين الرّاغبين في تحويل أموال لأبنائهم الذين يدرسون في الخارج.

الأموال التي حُوّلت أو هُرّبت إلى الخارج، يجب أن تكون محور متابعة على المستوى السّياسي والمصرفي والقضائي، لا سيّما في ضوء الأزمة النّقديّة التي يعاني منها البلد، والتي تمسّ بالدّرجة الأولى صغار المودعين المحرومين من سحب مبالغ صغيرة.

وحصول هذه العمليّة، التي تبقى طيّ التّساؤلات، يعني أنّ من يملك القدرة والجرأة على نقل الأموال في هذه المرحلة الحسّاسة، هو شخص يتمتّع بنفوذ كبير، ويستطيع حماية نفسه ومن ساعده داخل المصارف، لكن كيف سيتم التأكد من هذه العمليات؟

يوضح طنّوس أنّ الفاعلين قد يحاولون طمس معالم جريمتهم، أو إيجاد مخرج لها بعد كشفها، لذا نناشد السّلطات المختصّة فتح تحقيق بأسرع وقت، لكشف خفايا هذه التّحويلات التي تمّت خلال الأسبوعين الماضيين.

رواتب بالعملة الصّعبة

وفي سياق مزيد من الفضائح الحاصلة داخل أروقة المصارف، يكشف طنّوس عن اتّباع سياسة تعامل استنسابية، حيث تقوم بعض المصارف الكبرى بإعطاء الرّواتب بالّدولار  لبعض العاملين في إداراتها العليا، فيما يتقاضى بعض الموظفين العاملين في مؤسسات تابعة لشخصيتين سياسيتين نافذتين، من الوسط السّنيّ رواتبهم بالدّولار، من إحدى المصارف الكبرى. فكيف تفرض المصارف إجراءات مشدّدة على العمليّات النّقدية وتمنع سحبها بالدّولار، وفي المقابل تعطي هؤلاء الموظّفين رواتبهم بالعملة الصّعبة.

قرارات مصيريّة

وفيما يخصّ القرار الأساسي رقم 13262، والمعمّم على المصارف بموجب التّعميم 154، تحت عنوان “إجراءات استثنائيّة لإعادة تفعيل عمل المصارف العاملة في لبنان، يشير طنّوس  إلى قرارات مصيرية وحاسمة ستتّخذ مطلع الشهر المقبل، عقب انتهاء مهلة التّعميم، الذي يفرض على المصارف حث عملائها، ممن حوّلوا أكثر من 500 ألف دولار إلى الخارج ابتداءً من 1 حزيران 2017، على وضع 15 % من هذا المبلغ في حساب خاصّ، إذا كانوا مودعين عاديين، و30 % إذا كانوا من مسؤولي المصارف أو سياسيين.

حيث يؤكّد طنّوس أنّه لم تصل نسبة المصارف الملتزمة بتنفيذ التّعميم إلى ربع عدد مصارف القطاع. فما الذي سيحلّ بالمصارف غير الملتزمة؟ بحسب المعطيات قد يشهد الشّهر المقبل إعلان مصرف لبنان استحواذه على هذه المصارف.

إلى ذلك، يعلن طنّوس أنّ جمعية “صرخة المودعين” في صدد التّحضير لتحرّك كبير، للمطالبة مجدداً بأموال المودعين الذين لا يعرفون شيئاً عن مصير ودائعهم، للضّغط من أجل استرجاعها.

تحقيق قضائي

من جهته، يقول المحامي علي عباس من المرصد الشّعبي لمحاربة الفساد، منذ إنطلاق ثورة ١٧ تشرين كان مطلب فتح تحقيق قضائي بالتّحويلات المصرفيّة المريبة، التي حصلت خلال السّنوات الأخيرة، أحد أبرز مطالب الثّورة، ولا يزال أساسياً في الثّورة، من خلال الضّغط على السّلطة وعلى حاكم مصرف لبنان، لكشف السّريّة المصرفيّة عن العديد من الحسابات،لسياسيين وأصحاب نفوذ ومتموّلين ومالكي مصارف، وبيان حجم الأموال المهرّبة إلى الخارج، والتي ساهمت مع الهدر في المال العامّ، نتيجة الفساد، إلى فقدان المصرف المركزي لاحتياطي العملة الصّعبة وشحها لدى المصارف، مما استتبع المس بودائع المودعين وحرمانهم من سحب أموالهم، والقيام بعملية سرقة علنيّة لها من خلال الهيركات الحاصل، والتّعاميم المخالفة للقانون، والصّادرة عن حاكم مصرف لبنان.

استنسابيّة قذرة

ويتابع المحامي علي عباس، اليوم نشهد استنسابيّة مريبة في تعامل المصارف مع المواطنين اللّبنانيين، ومسّاً بمبادئ العدالة والإنصاف. ففي حين يُحرم المواطنون من سحب ودائعهم بالعملة الصّعبة، حتى لمن يحتاجها لغايات صحيّة أو لتحويل أقساط جامعيّة ومصاريف إلى الخارج، نراهم يدفعون لبعض المدراء في المصارف بالعملة الصّعبة، ويميّزون بعض زبائنهم عن غيرهم، وهو أمر مخالف للقانون ولن نسكت عنه كثوار .

ويضيف، صحيح أنّ التّحركات على المصارف قد خفّت، بسبب كورونا والقمع الحاصل، لكنّنا كمحامين في الثّورة نتقدم بدعاوى عدّة على المصارف، وقد استحصلنا على أحكام عدّة؛ كما تقدمنا بإخبارات أمام النّيابة العامّة الماليّة، وطلبنا التّحقيق مع رؤساء وأعضاء مجالس إدارة المصارف، وحاكم وكبار موظّفي المصرف المركزيّ، بسبب عمليّة التّحايل التي حصلت على كل الشّعب اللّبناني .

خِدع “المركزيّ”

أمّا بصدد تعاميم مصرف لبنان، فكلّها تصبّ في مصلحة المصارف، يضيف عباس، وتتضمّن محاولة للالتفاف على الجرائم الحاصلة، عن طريق تحميل المسؤوليّة لكل من حوّل أموال دون التّدقيق بالتّحويلات المشبوهة، التي حصلت سابقاً وبمبالغ ضخمة من قبل السّياسيين وعائلاتهم وأصحاب النّفوذ، والذين كانوا على علم مسبق بالأزمة التي وصلنا إليها، فهرّبوا أموالهم غير مكترثين بحقوق المواطنين ومصيرهم.

أما الفضيحة الأكبر، والتي لن نسكت عنها وستكون موضوع نزاعات قضائيّة وتحركات شعبية، فهي ثبوت تحقيق المصارف لأرباح بالتّزامن مع تمنّعهم عن إيفاء المودعين ودائعهم.

حجز أملاك المصارف

ويختم عبّاس، لن نسكت بعد اليوم عن تجاوزات المصارف، وسنطالب بتحميل أصحابها المسؤوليّة والتّعويض علينا من مالهم الخاصّ، “ليحملوا الخسارة بدلاً من تحميلها للشّعب الكادح”. هذا هو عنوان التّحركات المقبلة، إضافة إلى دعاوى ونزاعات قضائيّة ستقدّم خارج لبنان على المصارف اللّبنانيّة، للحجز على أملاكها إن كان لديها ممتلكات في تلك الدول.

ناديا الحلاق

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى