منوعات

شبهات بتبييض الأموال… تفاصيل التحقيق مع سلامة

هل أجرى حاكم مصرف لبنان تحويلات بعد 17 تشرين؟

تتسارع فصول المسار القضائي في ملف التحويلات المالية من مصرف لبنان إلى مصارف في سويسرا. فبعد مثُول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا أمام مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، أرسل القاضي عويدات إلى المدعي العام السويسري النسخة الإلكترونية من مضمون إفادة سلامة وشقيقه وإفادات شهود ومستندات، وتم أيضاً إرسال نسخة ورقية عن طريق وزارتي العدل والخارجية.

وبحسب مصادر مطلعة على الملف لـ”أحوال”، فإنّ مساعدة “الحاكم” ماريان الحويك لم يتم استجوابها لوجودها خارج لبنان. ولفتت المعلومات إلى أنّ “الحويك ليست موظفة عادية، بل هي الساعد الأيمن للحاكم والمديرة التنفيذية في المصرف المركزي منذ العام 2007 حتى 2018. وبعدما أُثير ملف التحويلات، بادر سلامة إلى تعيينها مستشارته الأولى عام 2020”.

تفاصيل التحقيق مع سلامة

كشفت مصادر خاصة لـ “أحوال”،  أنّ “سلامة أدلى بإفادته كاملة أمام عويدات، وتضمنت إجابات على كل التساؤلات التي طلبها القضاء السويسري”. وأفادت المصادر أنّ “إفادة سلامة تمحورت حول الكثير من الأسئلة والإستيضاحات حول موضوع التحويلات المالية من مصرف لبنان إلى مصارف سويسرية لكن التركيز كان على مصادر التحويل، وإذا كانت ناتجة عن مالٍ عام وعلاقتها بالإثراء غير المشروع، أم مالٍ خاص وكيفية تكوينه، وإذا كانت ثروة عائلية أو ميراثاً، وكيف تراكمت وما إذا كان حجم المبالغ المحوّلة يتناسب مع تراكم هذه الثروة عبر عقود من الزمن!”.

وتحدثت أوساط مقرّبة من الحاكم لموقعنا أنّه “مثُل أمام القضاء اللبناني من موقع الإستماع إلى إفادته، وليس من موقع المُدّعى عليه أو المتهم، وأنّه مستعد للمثول أمام القضاء السويسري”.

وفيما أوضحت الأوساط أنّ “للحاكم حساب خاص في مصرف لبنان كون القانون يمنعه من فتح حسابات في المصارف التجارية لأنّه رقيب عليها كجزء من  صلاحياته”، لفتت مصادر أخرى إلى أنّ “للحاكم الحق بفتح حساب في أي مصرف تجاري كونه مواطناً لبنانياً في نهاية المطاف بغض النظر عن موقعه المالي؛ ما يطرح التساؤل عن سبب إيداع سلامة أموالاً في حساب له في المصرف المركزي واستخدامه في عمليات تحويل وربما عمليات تجارية؛ علماً أنّه وبحسب المصادر فأموال المصرف المركزي هي أموال عامة تابعة للدولة اللبنانية وليست حسابات خاصة.

هل يمثل سلامة أمام القضاء السويسري؟

بعد تسلّم القضاء السويسري إفادات سلامة وشقيقه، هل سيتوجه سلامة إلى سويسرا؟ وهل يكتفي القضاء السويسري بهذه الإفادات أم يطلب مثول المُدعي عليهم أمامه مباشرة؟  

رئيس مؤسسة “جوستيسيا” الدكتور بول مرقص أوضح لـ”أحوال”، أنّه وفقاً للإستنابة القضائية السويسرية، يُرسل المُدعي العام مضمون الإفادة ويمكن أن يرفقها بأي إضافات قد يطلبها القضاء السويسري”.

ولفت مرقص إلى أنّ “تقديم سلامة إفادته أمام القضاء اللبناني لا يعني أنه لن يمثل أمام القضاء السويسري، بل أنّ سلامة استعمل حق الخيار بأن يمثل حضورياً أمام القضاء السويسري بعد تقديم إفادته أمام المدعي العام اللبناني”. ولفت إلى أنّ “هذا الأمر من شأنه تسريع الإجراءات التي تستغرق عادة شهوراً وأعواماً. ومن جهة ثانية تمنح الحاكم قوة دفع باتجاه تبديد الشبهة التي تحوم حول التحويلات بمجرد مثوله وتقديم التبريرات وتدعيمه بمستندات عن مصدر الأموال ومشروعيتها في حال كانت مشروعة”.

لكن الإشكالية الأساسية التي لم يُجِب القضاء اللبناني عنها: هل سيجري القضاء اللبناني تحقيقات داخلية بالاستناد إلى المعطيات السويسرية؟

مصادر قانونية مطلعة على الملف أوضحت لـ”أحوال”، أنّ “هناك تجارباً في عدة دول فتحت تحقيقات داخلية موازية للتحقيق الخارجي في جرائم مالية؛ وبالتالي على القضاء اللبناني إجراء تحقيق داخلي لأسباب عدة: أولها أن المُدعى عليهم هم لبنانيون، وثانياً المدعى عليه الأساسي أي رياض سلامة يترأس أكبر مؤسسة مالية في لبنان ومسؤولة معنوياً وقانونياً وإدارياً عن جرائم مالية ومصرفية عدة أهمها اختفاء الودائع المصرفية. والسبب الثالث، تطابق المعطيات مع المعطيات السويسرية”.

ولفتت المصادر إلى أنّه “رغم الثقة الكاملة بالقضاء السويسري، إلا أنّه على القضاء اللبناني أن يجري تحقيقاً داخلياً وطنياً سيّما مع وجود سوابق في بعض الدول التي لم يتعاون قضاؤها، ووفّرت حمايات سياسية أو قضائية للمتورطين وأهمها قضية الإختلاس في الكونغو في العام 1997 حيث لم تتعاون سلطاتها مع القضاء السويسري والدولي ما وضع الكونغو في عزلة دولية مالية لم تُرفع حتى الآن. ولذلك إذ لم تُبادر السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في لبنان للتحقق من عمليات تبييض الأموال واختفاء 180 مليار دولار في المصارف، فستضع نفسها في دائرة الشك أمام المجتمع الدولي”.

وفي مؤشر لتوجّه القضاء اللبناني لإجراء تحقيق داخلي موازٍ، فقد طلب القاضي عويدات من السلطات القضائية السويسرية تزويده بالمستندات المتوفرة لديهم على أن يتم لاحقاً تزويد الجهة المطالبِة بالمستندات من مصرف لبنان والهيئات المصرفية، على أن يعكف النائب العام التمييزي إلى درس كل المستندات المتوافرة، وما قد يرده من السلطات السويسرية وفقاً لطلبه، وما قد تتضمنه من أدلة كافية لإجراء تحقيق محلي مع المعنيين.

التحقيق السويسري بدأ منذ أشهر

وكشفت مصادر “أحوال”، أنّ “القضاء السويسري يمتلك العديد من المستندات والحوالات التي تمت عبر شركات مغفلة أو أشخاص من مصرف لبنان إلى سويسرا تؤسس لشبهة تبييض الأموال التي يستند إليها القضاء السويسري وفق قانون 305 فقرة  2 “.

كما كشفت أنّ “السلطات السويسرية بدأت بإجراء تحقيق إداري في ملف تحويلات مصرف لبنان منذ عدة أشهر عبر أكثر من جهاز متخصص، بعد أن تراكمت معطيات لديهم تؤكد وجود شبهات تبييض أموال “مشددة” تمتهِن تبييض الأموال بالتعاون مع مجموعات جرمية، والتي تصل عقوبتها إلى خمس سنوات سجن”.

وأضافت أنّ “بعض الجهات الداخلية حاولت إخفاء المراسلات السويسرية للدولة اللبنانية وفرض التعتيم الإعلامي عليها”. وأكدت المعلومات أنّ “التحويلات التي نفذها سلامة من مصرف لبنان إلى بنوك في سويسرا تعود إلى قبل أحداث 17 تشرين وبعدها أيضاً، كما أن عشرات من رؤساء مجالس إدارة مصارف وشخصيات سياسية ومالية أجروا تحويلات لمصارف خارجية منذ أربع سنوات عن طريق شراء عقارات ومباني”. كما كشفت بأنّ “التحويلات إلى الخارج لم تتوقف منذ ما قبل 17 تشرين 2019 حتى الآن مستغلين عدم وجود قانون الكابيتال كونترول. ولهذا السبب لم يقرّوا هذا القانون كي يستمروا في تهريب الأموال إلى الخارج”.

كما كشفت المصادر لموقعنا أنّ “القضاء السويسري يُدقق في تحويلات سلامة لكشف حسابات متداخلة لأشخاص آخرين لاستدعائهم إلى التحقيق أيضاً”. وأوضحت أنّ “النظام المصرفي السويسري يرصُد عادة دخول حسابات مشبوهة إليها، لكنّه لا يتحرك إلا إذا شكّل الملف خطراً على سمعة سويسرا ونظامها المصرفي”.

وكشفت المصادر أيضاً أنّ سلامة كان ينفي منذ مدة، وجود تحويلات من لبنان إلى سويسرا، لكن عندما لمس وجود شبهات لدى القضاء السويسري، كشف حاكم مصرف لبنان أنّه يملك 23 مليون دولار وأنّه ورث ثروة مالية واستثمرها”.

لكن لماذا لم يُصرّح عن أمواله سابقاً؟ وإذا كان فعلاً يُشغّل أمواله فلماذا لم يُجدّد تصريح الذمّة المالية؟ وإذا كانت الأموال شرعية، فلماذا عمِل على تهريبها عبر شركات مغفلة؟

المصادر خلصت بالإشارة إلى أنّ كل ذلك يؤكّد شبهة تبييض الأموال وتهريبها إلى الخارج في عزّ اشتعال أزمة الودائع المصرفية واحتجاز أموال اللبنانيين!

 

محمد حمية

 

 

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى