ميديا وفنون

جسيكا عازار والأربعون سؤالاً: الغلّة الأولى كانت وفيرة… وماذا بعد؟ 

الاستديو أشبه بدهليز أحمر. الموسيقى متوترة. المجالسة تقشير ومكاشفة. أربعون سؤالاً يرمى بهم في وجه الضيف فتحشره وتستفزه وتنكش في تاريخه وفي أفكاره وتفجر الإثارة حتى ولو لم يتم البوح بالحقيقة يكفي أن ترش  الإعلامية الماء في الوجه حتى نقرأ أعماق عرفناها وأخرى بقيت في الخفاء.

جسيكا عازار تلبس حلّة الاتزان وتحضّر لضيفها دعوة، تقارب المحاكمة لما فيها من إحراج ومذكرات وحقائق منسيّة أو غائبة ومواقف تود الاستفسار عنها. تطرح في برنامجها forty أربعين سؤالاً على ضيفها تأتي بها من كل حياته التي عُرف منها للعلن، وما لم يُعرف، ومن كل مواقفه وتدخل في أعماق تفكيره. 

تشرح بالبداية حيثية السؤال وكل المواقف التي تخص هذا التساؤل ثم ترمي بسؤالها الذي لم يعد يحتمل التشكيك أو الهروب. وعلى الضيف أن يجيب دون أي تدخل منها أو مناقشة. وهنا تكمن الجرأة عند ضيفها في أن يجيب بعد أن تكون قد عرضت عليه كل مواقفه وتحركاته وخطاباته فإن تهرّب يكون قد وضع نفسه في ميزان المصداقية وإن أجاب تكون قد نالت مبتغاها وقدّمت للجمهور ثمرة نقاشها. وفي كلتا الحالتين هي والجمهور الحصان الرابح. 

جسيكا التي حصّنت نفسها بخبرة إعلامية زادت عن 12 عاماً  قضت منها القليل بين أروقة جريدة “النهار” اللّبنانية والكثير كمقدمة النشرة الإخبارية في محطة  mtv وبين طموح لم يزهر سياسياً عندما رشّحت نفسها على الانتخابات النيابية عام 2018 عن حزب القوّات اللّبنانية في المتن.

 ومن بعدها ابتعدت عن تقديم نشرة الأخبار وعادت ببرنامج  “الأحد منحكي” خصّصته عازار لاستضافة النساء حصراً تُحاكي من خلاله المرأة التي هي حسب رأيها ليست مجرّد صورة جميلة، بل هي مزيج من الحب والإصرار والثورة على مجتمعٍ همّشها في كثير من الأوقات، لكنّ برنامجها لم يحظَ بذاك التألّق الذي بشّر به. وبقيت صورة المرأة فيه اعتيادية ولم يضف ضيوفها الكثير عما نعرفه عنهم. 

منذ بدايتها وجسيكا تحاول أن تبني لنفسها صورة الشخصية المؤثرة في الرأي العام وتقديم كل ما بإمكانها للحفر في توضيح الصورة السياسية في لبنان وكشف خباياها. وما برنامجها الحالي الذي يبث مساء السبت سوى تعميقاً لهذه الصورة.

نجحت جسيكا في افتتاح برنامجها باستقبال شخصية مؤثرة من طراز وئام وهاب. شخصية جريئة وجدلية. سواء اتفق معه الجمهور أو لم يتفق. قادر على الجذب وعلى لملمة أذواق المشاهدين من كل حدب صوب. فهو في كلّ ظهور له يكشف حقائق ويرفع سقف إجابته مهما كانت عتبات المحاور منخفضة. وهو الجسم اللّبيس في أروقة السياسة عندما نحكي عن رجل بلا قفازات وبلا مراوغة يحكي الأمور بقساوة واعتداد. يرفع الصوت دون أي رادع ولا يدوّر الزوايا بل يرمي كلامه وكأنها حمم بركان ثائر. 

جرّبت جسيكا إطلالتها الأولى مع شخصية لا تحب التواري بل شخصية فاقعة تنظر في عين الشمس وهي مفتّحة وتتلو خطابها بكل ثقة دون أي وازع. 

ولبّى وهاب مرادها وكان عند حسن ظن البرنامج في خلق بلبلة  وإثارة، سواء من محبي وهاب أو مبغضيه. فالكل يحب أن يستمع إلى الكلمة المقشّرة بدون أغطية وهو من يجيد التكلّم كمعلّم في مجال الإعلام والكلمة ويعرف كيف يشنّ خطابه ويرمي أرقامه ويثير جلبة. لن يكون وهاب صورة جيدة تعبر عن ماهية البرنامج لأنّه كشخصية مثيرة للجدل  وصادمة بصراحتها قادر في أي برنامج جديد أو بدونه أن يكون صيداً وفيراً لأيّ إعلامي يقف أمامه. 

لقد مرّ الامتحان الأوّل لجسيكا بنجاح ولا شكّ أخذت نجمة عل جبينها تحثّها نحو استكمال مهمّتها. خاصة وأن مجال الأسئلة عندها مفتوح منذ أن ولد ضيفها حتى لحظة حضوره أمامها تحاوره في كل شاردة وواردة سواء في الحب أو الطباع أو الموقف أو الإنجاز. مع جهد في استضافة أحد المقرّبين له في طرح سؤال معيّن أو رفع أسئلة أخرى من إعلاميين وشخصيات قد يتفق الضيف معهم أو يكونوا في الصف المضاد له. وهذا الخوض العميق في جوانب عدّة قديمة وحديثة تشكّل بورترية جديد وطازج للضيف يقدر المشاهد أن يفهم ويعيد رسم صورة هذه الشخصية من جديد. 

إذن وئام وهاب ليس معياراً لنجاح برنامج عازار الجديد وإن نجحت بدرجة امتياز خلال الحلقة الأولى. لذا علينا أن ننتظر ونرى هل قادرة بأسئلتها الأربعين أن تجمع غلّة وتفرض حضوراً شيّقاً مع ضيوف آخرين يكونون بوزن حلقتها الأولى. 

 

كمال طنوس 

كمال طنوس

كاتبة وصحافية لبنانية لاكثر من 25 عاماً في العديد من الصحف العربية كمجلة اليقظة الكويتية وجريدة الاهرام وجريدة الاتحاد وزهرة الخليج .كما تعد برامج تلفزيونية وتحمل دبلوما في الاعلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى