منوعات

إيرادات الموازنة اللبنانية لا تتخطّى المليار دولار.. والأولويّة لـ”الصراع السياسي”

وكأن الأزمة غائبة والبلد بألف خير، والصراع السياسي هو الأولوية، في وقتٍ حقيقة الأرقام "خيالية"

يُسيطر على لبنان اليوم “صراع سياسيّ بامتياز”، بين من يريدون أن ينقذوا الوطن في وقت حقيقة الأرقام تضعنا أمام واقع مغاير، لنطرح تساؤلات عديدة. بداية، سنطرح واقع المالية العامة الذي غاب عن أقلام الكثيرين، ثم سننطلق نحو تساؤلاتنا الطبيعية.

الواقع المالي في لبنان

لا بدّ والتذكير أن القاعدة “الشاذّة” في الموازنة اللبنانية، والتي تُسمى بـ”الإثني عشرية”، هي القاعدة الشاذة التي تُستخدم في أموال الموازنة في أول شهر من كل عام، في حال لم تكن الموازنة قد أُقرّت. هذا ما يحدث في الحالة الطبيعية، أما الإستثناء فهو حقيقة ما يعيشه لبنان اليوم منذ أكثر من 10 سنوات، وبالتالي فإنَّ الواقع المالي يعيش على القاعدة “الإثني عشرية”. لكن أين هي الأرقام الحقيقية للمالية العامة؟ ولماذا سكت الجميع عن هذه الأرقام؟

الواقع المالي في حقيقة الأمر هو أخطر ممّا نتخيّل بكثير، ففي السنوات السابقة كان العجز المالي يتراوح بين 3 و4 مليار دولار، وكان الدولار حينها واحدًا لم يتجزأ، دولار الألف وخمسمئة ليرة لبنانية، كما كانت الجباية بالليرة اللبنانية من إيرادات ضريبية وغير ضريبية تشكّل الباب الأوسع للمالية العامة، وكانت على الشكل التالي:

1- إجمالي الإيرادات كانت حينها قرابة الـ13.4 مليار ليرة لبنانية، أي ما يعادل الـ8.9 مليار دولار تقريبًا، أما اليوم فقد أصبحت قيمة هذا الرقم مجهولة مقارنة بالدولار.
2- الايرادات الضريبية كانت قرابة 9,966 مليار ليرة لبنانية، ومن المؤكد أنه وبسبب الأزمة التي مرّت على لبنان طوال العام 2020، انخفضت هذه الإيرادات بنسبة 40% على أقل تقدير، دون أن ننسى أنها بالليرة اللبنانية التي خسرت قيمتها مقارنة مع الدولار الذي يشكّل عصب الاقتصاد اللبناني.
3- الإيرادات غير الضريبية ترتكز على عائدات قطاع الاتصالات الذي تأثّر كغيره من القطاعات على مستوى المداخيل، بالإضافة إلى تأثّره بالأزمة التي طالت الليرة اللبنانية، خصوصًا أن قطاع الاتصالات هو قطاع عالمي ولا يمكن فصله عن العملات الدولية.
4- بحسب التقديرات، قد تصل عائدات الدولة اللبنانية عن العام 2020 إلى قرابة الـ10 مليار ليرة لبنانية، كحدّ أقصى.

أما في الأرقام الأساسية حول مصاريف الدولة الأساسية، فسنرتكز بداية على الأعمدة الأساسية التي يرتكز عليها باب المصاريف في الموازنة اللبنانية، وهي على الشكل التالي:

1- يترتّب على الدولة اللبنانية رواتب وأجور القطاع العام، والتي تبلغ قرابة الـ9.9 مليار ليرة لبنانية.
2- خدمة الدين العامة هي خدمة مزدوجة بالعملة الصعبة والليرة اللبنانية، وهي قرابة الـ5 مليار ليرة لبنانية، ومن المؤكد أنّها باتت خارج حسابات الدولة اللبنانية التي لن تستطيع حتى أن تدفع ديونها بعد اليوم، في ظلّ التركيبة السياسية المالية الحالية.
3- عجز كهرباء لبنان هو قرابة المليار دولار على أقلّ تقدير، وهذا الرقم لا يمكن احتسابه بالليرة اللبنانية، وبالتالي يمكن أن نضعه في خانة النسيان في المرحلة المقبلة، إذ لن يكون باستطاعة الدولة اللبنانية دعم قطاع الكهرباء بعد اليوم.
4- أما المصاريف الأخرى والمصاريف الإستثمارية، فلا يمكن أن تُدفع لأنها غير مؤمنة.

أين نحن اليوم؟

بحسب الواقع المالي الذي استعرضناه أعلاه، والذي يعتمد على أرقام عام 2018 نظرًا لعدم وضوح أرقام عام 2019، فنحن اليوم أمام موازنة عامة إيراداتها مليار دولار أمريكي فقط، وذلك بحسب تطوّر سعر الصرف المتداول في السوق السوداء.

أما مصاريف الدولة اللبنانية، فلن تكفي لأكثر من دفع رواتب وأجور موظفي القطاع العام، وبالتالي فإنّنا أمام العديد من الأزمات التي ستواجه المواطن اللبناني، وأهمّها:

1- العجز في كهرباء لبنان سيؤدي حتمًا إلى عتمة شاملة على كامل الأراضي اللبنانية، باستثناء ما تغطيه كهرباء زحلة (النموذج الناجح لكهرباء 24/24).
2- تخفيض تصنيف لبنان إلى “أسوأ المستويات” على الصعيد المالي، بسبب عدم قدرته على دفع المستحقات المالية المطلوبة والديون المتراكمة.
3- عجز الدولة اللبنانية عن تسديد فواتير القطاعات المدعومة، وأهمها الدواء والمواد الغذائية المدعومة والمشتقات البترولية.
4- عجز الدولة عن الاستثمار في أي قطاع يحقّق موارد مالية إضافية.
5- عجز الدولة عن دفع تعويضات المتقاعدين، خصوصًا التعويضات الكبيرة منها، والتي يعود جزء منها إلى كبار الضباط في المؤسسة العسكرية.

وفي الخلاصة، مالية الدولة اللبنانية انتهت، ولا ينفع بعد اليوم القول إن البلد يحتاج لحلول إنقاذية، إنما هو بحاجة لإنقاذٍ كامل متكامل، وعلى وجه الخصوص “الإنقاذ المالي الكامل” والذي قد يتحقّق من خلال خطة تعتمد على “خصخصة القطاعات الأساسية” التي تنزف، بالتزامن مع نهضة داخلية لمختلف القطاعات الإنتاجية والإجتماعية والإقتصادية.

زكريا حمودان

زكريا حمودان

كاتب وباحث لبناني. يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الصناعية من جامعة بلفور مونبليار للتكنولوجيا في فرنسا. مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء. رئيس التجمع الوطني للتنمية ونشر الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى