منوعات

إخبار أول للنقيب ملحم خلف

غير صحيح أنّ الحل الوحيد لإيقاف الانهيار والخروج من النفق المظلم هو مزيد من الاستدانة سواءً من صندوق النقد الدولي أو من مؤتمر سيدر. وغير صحيح أنّنا محكومون بالاستسلام للواقع الاقتصادي. وغير صحيح أنّ استعادة الأموال المنهوبة مستحيل. وغير صحيح أنّه ما من أحد يعلم أين ذهبت أموال اللبنانيين أو كيف أُهدرت.

تهرّب أهل السياسة من القضاء

دهاء السياسيين يدفعهم إلى الاحتماء خلف “الطائفة” مرة وخلف “السياسة” مرة، فيتذرعون بالاستهداف الطائفي مرة والاستهداف السياسي مرة أخرى ليفلتوا من العقاب. يفلتون من العقاب أولاً وينشغل الناس عن مضمون الملف بشكله ثانياً، ويصبح النقاش اليومي مرتبطاً ثالثاً بما إذا كان الإبراء المستحيل ما يزال مستحيلاً أو لم يعد مستحيلاً.

لكن أساس الموضوع الذي يسعون للتهرّب منه لا علاقة له بهذا كلّه: الأساس هو ملف قضائي؛ كائناً كان من أعده وأيّاً كانت غايته، هذا ليس هو الموضوع. تراجع عنه أو لم يتراجع عنه، هذا ليس هو الموضوع. هذه الملهاة العظمى التي لا يملّون من اللهو بها والمزايدة والتنكيت، لا تحلّ مشكلة اللبنانيين أو تعيد لهم أموالهم. ما يحلّ بعض مشاكلهم ويعيد لهم بعض أموالهم هو أساس هذا الملف القضائي، بما يوثقه من خلّل حاصل في مالية الدولة اللبنانية بقيمة أكثر من 27 مليار دولار.
من جمع هذا الملف أو كيف؟ أو لماذا؟ غير مهم، والجواب لا يحلّ مشكلة اللبنانيين ولا يؤدي إلى تغيير. بل هو إضاعة للمزيد من الوقت وفرصة استعادة الأموال المنهوبة. المهم أنّ هذا الملف قد سلك بعيداً عن السياسة والتهريج والسياسيين، طريقه القضائي وهو اليوم ينام في جوارير ديوان المحاسبة.

وفي وقت ينشغل السياسيون باختلاف مشاربهم، بهمّ وحيد هو المزيد من الاستدانة؛ يعلو شخير هذا الملف دون أدنى اهتمام سواءً من السياسيين أو من المجتمع المدني، أو من الإعلام باختلاف أنواعه.

أين الـ 27 مليار دولار؟

ما على المواطن هنا سوى أن يتذكر أنّهم يعدّون العدّة للمسّ بما تبقى من احتياطي من جهة، أو مراكمة المزيد من الديون من جهة أخرى، فيما لا أحد يسأل عن هذا الملف الذي يوثق سرقة بقيمة 27  مليار دولار. وهذا ما يفترض دخول جهة ثالثة على الخط، لا علاقة لها بالانقسامات السياسية التقليدية، لتطالب بإخراج الملف من جوارير الديوان أولاً، والتدقيق بما يرد فيه من اتهامات ثانياً، وإصدار الأحكام ثالثاً.
وإذا كان التعويل على الإعلام عبثياً_ لأنّ جزءاً مهماً من هذه المليارات المسروقة ذهب للإعلام طبعاً، فإنّ الجهة الوحيدة القادرة على السؤال والمساءلة هي نقابة المحامين عموماً والنقيب ملحم خلف خصوصاً. فالنقيب الذي ترشح باسم الثورة، وفاز باسم الثورة، يفعل كل ما يلزم على صعيد حماية الحريات العامة والحريات الصحافية وغيره، إلا أنّ الزخم الذي أوصله إلى رئاسة النقابة لم يكن زخم الحريات فقط، إنّما غضب عارم من الفساد وعدم المحاسبة؛ وهو ما يلزم النقيب بالموازنة أكثر بين نضاله من أجل حماية الحريات والنضال أيضاً من أجل تحريك ملفات الفساد النائمة في جوارير القضاء.

ولا بدّ هنا من القول إنّ تحريك أي ملف لا يفترض أن يُعتبر بأي شكل تحرّك ضد فريق سياسي بعينه. هذه إحدى أبرز وسائل السياسيين لحماية أنفسهم من المحاسبة، حيث يسارعون إلى القول إنّه استهداف سياسيّ.

الطرف الثالث: ملحم كرم

ضعوا السياسة جانباً، هذه المليارات تخص جميع المواطنيين اللبنانيين دون استثناء، ويُفترض أن تعود إلى جميع المواطنين لا إلى فريق واحد. ومن يسعى إلى التسييس من الجهتين هو من يريد حرمان المواطن من استعادة حقوقه. يفترض بالمواطنية أن تتقدم ولو لمرة على الحزبية، وأن يفكر كل مواطن بنفسه ولو لمرة قبل أن يفكر بزعيمه.
يمكن أن نواصل الدوران في الحلقة الفارغة نفسها؛ بعيداً عن المحاسبة واستعادة الأموال المنهوبة من جهة، وفي ظل استمرار سياسات الاستدانة من جهة أخرى؛ لا حلّ هنا سوى بدخول طرف ثالث موثوق شعبياً يطلب أولاً من كل من يريد الإدّعاء في قضايا الفساد أن يدّعي فوراً، بالتزامن مع الطلب من ديوان المحاسبة والمدعي العام المالي وغيرهم وغيرهم، أن يضعوا كل ما في جواريرهم فوق الطاولة ليبدأ البت بها فوراً وسريعاً. هذا إخبار أول للنقيب ملحم خلف: تحرّك نحو ديوان المحاسبة.

ملاحظة: في قانون إنشائه، يرد في المادة الأولى أنّ ديوان المحاسبة هيئة مهمتها السهر على إدارة الأموال العمومية. وبالتالي، في وقت تستمع الهيئة بالسهر، تنام الملفات في الجوارير؛ تحديداً ملف بقيمة 27 مليار دولار. في وقت تشير المادة نفسها إلى أنّ مهمة الديوان الذي يدفع المواطنون أجور قضاته هي محاكمة المسؤولين عن مخالفة القوانين. أمّا المؤسسات التي تخضع لرقابة الديوان الذي يستحق التهنئة صراحة على نتائج مراقبته فهي:

1. إدارات الدولة.

2. البلديات الكبرى.

3. البلديات التي تقرّر الحكومة إخضاعها للرقابة.

4. المؤسسات العامة التابعة للدولة او البلديات.

5. هيئات المراقبة التي تمثل الدولة في المؤسسات التي تشرف عليها، أو في المؤسسات التي تضمن الدولة لها حد أدنى من الأرباح.

6. المؤسسات والجمعيات وسائر الهيئات التي للدولة أو للبلديات علاقة مالية بها عن طريق المساهمة او المساعدة او التسليف.

غسان سعود

غسان سعود

كاتب وصحافي لبناني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى