منوعات

هل يسهل تنصيب بايدن ولادة الحكومة اللّبنانية؟

لم يتخلَّ فقط الأفرقاء اللبنانيين عن المبادرة الفرنسية بتعنّتهم وإصرارهم على تقاسم الحقائب وأثلاث الحكومة في خلافٍ لما نصّت عليه المبادرة من جعلها حكومة اختصاصيين مستقلين، بل إنّ المبادرة نفسها تخلّت عن لبنان.

شهرٌ مرّ على إعلان قصر الاليزيه إصابة راعي المبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون بكوفيد-19، وبالتالي إلغاء زيارته إلى لبنان، ممّا عطّل محركات تأليف الحكومة، ولا سيما أنّ ماكرون لم يتكبّد عناء إيفاد ممثلٍ عنه، ولم يُعد جدولة الزيارة حتّى بعد إعلان تعافيه عشية عيد الميلاد.

أن تكبح “الأمّ الحنون” فرنسا جماحها المستجدّ تجاه بيروت لم يكن محض صدفةٍ كورونية، في ظل سعي الولايات المتّحدة عبر العقوبات والحصار الاقتصاديّ إلى وضع العصيّ في دواليب أيِّ حلحلةٍ في مسعىً منها لتضييق الخناق على لبنان، وعلى حزب الله تحديداً.

قد تنفي باريس خضوعها للضّغط الأميركيّ، ولكن ما يلي يؤكّد سيطرتها على القرار الأوروبيّ، لا الفرنسيّ فقط، من خلال عرض إجراءين حديثين سبقتهما سياساتٌ مزمنة:

  • يجنّد الأوروبيون أنفسهم كضبّاط مخابرات يسرّبون المعلومات إلى الأميركيين، ما دفع روسيا إلى إعلان بدء الإجراءات المحلية لانسحابها من معاهدة الأجواء المفتوحة التي كان قد انسحب منها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 21 أيار 2020، رغم ذلك بقيت أميركا مستفيدةً من مزايا المعاهدة عبر تسريب الأوروبيين معلومات رحلات الاستطلاع إلى ما أشارت إليه موسكو بدول ثالثة غير مشاركة في المعاهدة.
  • الاتحاد الأوروبي أضاف وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى قائمة العقوبات المفروضة على سوريا، ومنعه من دخول أراضيه في عرقلةٍ واضحةٍ لمسار السلام في حل الأزمة عوضاً عن التواصل مع الدولة السورية، مّما يتناسب مع سياسة أميركا في المنطقة.

 

بما يخص لبنان، وضعت الولايات المتحدة شرطاً محورياً غير واقعي، بل مستحيلاً لتشكيل الحكومة هو عدم مشاركة حزب الله فيها. فإذا أردنا أن ننظر إلى الصورة الواسعة البعيدة عن الحسابات اللبنانية الضيّقة، نرى أنّ لبنان ما هو بالنسبة لأميركا إلّا إحدى الساحات التي تستخدمها لتطبيق سياسة استنزاف إيران في الشرق الأوسط، تماماً كما استنزفت الاتحاد السوفياتي سابقاً في افغانستان، وهي المقاربة التي أشار إليها المبعوث الأميركيّ السابق إلى سوريا جيمس جيفري في مقالٍ نشرته مجلة “فورين أفيرز”، وأشاد فيه بسياسات ترامب تجاه الشرق الأوسط، ولا سيما في ما يخصّ حملة إسرائيل ضد إيران التي تمثّل جزءاً من استراتيجية أميركية متعددة الركائز في المنطقة.

أمّا بعد ترامب، فبات محسوماً أن الرئيس المنتخب جو بايدن سيسعى للعودة إلى الاتفاق النّووي مع إيران، خاصةً وأن معظم الشخصيات التي عيّنها في فريقه كانت قد ساهمت في الوصول إلى إتفاق أوباما مع طهران، ومنها السفير السابق ويليام ج. بيرنز الذي قاد الوفد الأميركي في محادثاتٍ سرّيةٍ مع إيران بدءاً من عام 2013 مهّدت للإتفاق النووي عام 2015، وهو الذي صرّح قائلاً إن الدبلوماسية الأميركية تضرّرت في إدارة ترامب، وقد اختاره بايدن لإدارة الاستخبارات المركزية، ممّا يرجّح فرضية أنه يساعد الرئيس المنتخب في التفاوض مع طهران.

بالطبع، المفاوضات الأميركية – الإيرانية ستستغرق وقتاً ليس بقليلٍ لتثمر، بعد سياسات حادّة ودموية اتخذها الرئيس الجمهوريّ تجاه إيران طيلة فترة ولايته، يقابلها تصعيد مستمر من جانب طهران، من خلال تكثيف المناورات وتطوير الصواريخ واستئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪، بخلاف ما ينصّ عليه الاتفاق النووي الذي حدّد نسبة التّخصيب بما لا يزيد عن 3.67٪.

وعليه، لا يملك الأفرقاء اللبنانيين ترف الوقت ليؤجلوا تأليف الحكومة إلى ما بعد اتفاق واشنطن – طهران المرتقب، ولا سيما أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كان قد أكّد أن ما من مفاوضات أميركية إيرانية ‏على لبنان، داعياً إلى عدم انتظار أمرٍ بلا أفق – على حد تعبيره.

لذا، فإن تنصيب جو بادين رئيساً للولايات المتحدة في العشرين من الشهر الحاليّ، لن يعقبه تأليف لحكومة لبنان في الحادي والعشرين منه، أيّ أن التأليف لن يشهد حلحلةً سريعةً بعد انتقال السلطة رسمياً في الولايات المتحدة، فالأكيد أن ملف لبنان ليس بين الملفات العشرة الأولى على الطاولة التي سيجلس إليها بايدن في المكتب البيضاوي.

فما من تداعياتٍ مباشرةٍ لحدث العشرين من كانون الثاني في واشنطن على الواقع السياسي في لبنان، إلّا إذا صدقت النّبوءة التي ترجع التأخّر في التّأليف إلى خوف الرئيس المكلف سعد الحريري من عقوباتٍ قد تفرضها عليه الإدارة الحالية إثر إشراك حزب الله في الحكومة وانتظاره رحيل ترامب.

في الخلاصة، تكثر التحليلات، ولكن يبقى العامل الدّاخلي المتمثل بخلاف الحريري مع رئيس التيار الوطني الحرّ هو الأكثر تأثيراً، وفي ما يخص ما هو خارج الحدود، آن الأوان للبنانيين أن يعرفوا أنّ العديد من دول العالم توصّلت إلى خلاصةٍ مفادها أن الداخل اللبناني ليس بالأرض الصالحة للاستثمار السياسي بعد اليوم، بل هي أشبه بمستنقعٍ يُغرق الدول بدهاليزَ سياسيةٍ يهواها حلفاؤهم المحلّيون، ولا غنى لهم عنها، حتى ولو كان في ذلك خلاص اللّبنانيين.

 

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى