منوعات

الـ Fresh Dollar يُنقذ اللّبنانيين في الإقفال التّام

كشفت الأزمة الاقتصاديّة والقيود المصرفيّة على التّحويلات والسّحوبات، عورة السّياسيات الماليّة والنّقديّة في لبنان، ما جعل شركات تحويل الأموال تقوم بدور بديل عن المصارف، لجذب التّحويلات الطّازجة بالدّولار “Fresh Dollar” وضخّها في الاقتصاد المتهالك من جهة، ولجم تدهور سعر صرف اللّيرة ولو بشكل نسبي من جهة أخرى، في ظلّ الإقفالات المتكرّرة بسبب فيروس كورونا المستشري.

وأصبحت شركات تحويل الأموال اليوم، المتنفّس الأوّل لآلاف العائلات اللبنانيّة، بعد أن شكّلت تحويلات المغتربين المصدر الأساسي لدخول العملات الأجنبيّة إلى البلاد، والتي سجّلت 23% من النّاتج المحلي خلال عام 2020،  في ظلّ تقلّص المداخيل السّياحيّة والصّناعيّة، وتراجع الاستثمارات والرّساميل الوافدة.

ولولا المغتربون الذين يعمدون إلى إرسال المبالغ “الطازجة” بالدّولار، المحدودة ما بين 100 و500 دولار شهرياً لأهلهم وأقاربهم، لما استطاعت الكثير من العائلات الصّمود في وجه الضّائقة الاقتصاديّة التي ضربت في الصّميم، خصوصاً في أوقات التّعبئة العامة، وسط غياب الخطط الاقتصاديّة الهادفة إلى تقديم المساعدات للأسر الفقيرة والعماّل المياومين والفئات المتضرّرة.

فهل ستبقى هذه التّحويلات متنفّس اللّبنانيين الغارقين في أزماتهم، وهل ستعوّض على العائلات الأكثر فقراً وتؤمّن لهم مورد رزق  في أيام الإقفال التّامّ؟ وإلى أي مدى ستحلّ المؤسسات غير المصرفيّة مكان المصارف؟

يؤكّد رئيس مجلس إدارة OMT (كبرى شركات الأونلاين لتحويل الأموال، وهي وكيلٌ معتمدٌ لشركة ويسترن يونيون في لبنان) توفيق معوّض، لـ “أحوال” أنّ قرار استثناء شركات تحويل الأموال من الإقفال التّامّ جاء صائباً، نظراً لاعتماد الكثير من العائلات اللّبنانيّة على التّحويلات، التي باتت تشكّل مورد رزق لشريحة لا يُستهان بها من الأسر اللّبنانية.

تحويلات بقيمة 100 مليون دولار

ويشير، إلى أنّ حوالى 170 ألف عائلة تسحب الأموال المرسلة من الخارج نقداً وبالدولار الأميركي شهريّاً، وتصل قيمتها تقريباً إلى 100 مليون دولار شهريّاً، ما يساعد اللبنانيّين على تدبير أمورهم خلال فترة الإغلاق التام بسبب وباء كورونا.

ويلفت معوّض إلى أنّ أكثر من 40% من متلقّي التّحويلات عبر OMT  هم من الطّبقة الوسطى وما دون، ويستخدمون الأموال  لتأمين أغراض الاستهلاك اليومي والحاجات الأساسيّة.

الدّول المحوّلة

وبحسب الدّول المحوّلة، منها تأتي بالدّرجة الأولى الدّول العربيّة بنسبة 30%، وأوروبا 20%، والولايات المتّحدة 20% ، ومن ثم أفريقيا، وغيرها من البلدان.

شركات التّحويل تتفوّق

ويشدّد معوّض على أنّ المؤسّسات غير المصرفيّة لا تهدف إلى منافسة عمل المصارف، لكنّ الظّروف الاستثنائيّة جعلتها تتصدّر الواجهة في السّوق المالي.

سدّ النّقص

من جهته، يقول المحلّل الماليّ والاقتصاديّ والمصرفيّ محمد أبو الحسن لـ “أحوال”: لبنان بلد يعتمد على القطاع السّياحي وتحويلات المغتربين، خصوصاً هؤلاء الذين أنشأوا وطوّروا أعمالهم في الخارج. هذه المصادر تساعد البلد على تكوين احتياطات النّقد من العملات الأجنبيّة الصّعبة، وتحفيز النّمو الاقتصادي، كما والقدرة على تأمين المستلزمات الأساسيّة للاستهلاك وللإستثمار في مختلف القطاعات.

حاجة ماسّة للتّحويلات

ويشير المحلّل الماليّ والاقتصاديّ والمصرفيّ، إلى انعدام القدرة التّنافسيّة لكافّة قطاعات الانتاج اللّبنانيّة، كما وقطاع السّياحة والخدمات، مقارنة مع دول الجوار والدّول الاقليميّة على اختلافها، وشحّ المواد الأوليّة من الأسواق؛ وعزا ذلك إلى عوامل عدّة من أبرزها، توقّف عجلة الانتاج عالمياً، وتراجع الحركة الاقتصاديّة والسّياحيّة بسبب وباء كورونا المستجدّ، إضافة إلى الأزمات السّياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والأمنيّة المحليّة، التي شلّت أوصال البلاد، والتي واكبها تدهور حادّ في سعر صرف العملة مقابل العملات الاخرى، وشحّ السّيولة في الأسواق. فوجد التّاجر والعامل والمواطن اللّبنانيين أنفسهم أمام واقع مُرّ، جعلهم بحاجة لكل مصدر تحويل للعملات الأجنبيّة من الخارج، سواءً من خلال المصارف المحليّة أو من خلال شركات تحويل الأموال.

ويشير أبو الحسن إلى أنّه أمام هذا الواقع المستجدّ على السّاحة اللّبنانيّة، وإن تمّت مقارنة أرقام التّحويلات الواردة من الخارج خلال سنة ٢٠٢٠ مع تلك السّنوات التي سبقتها، لتبّين أنّ الأرقام متقاربة جداً، خصوصاً تلك التي نتجت عن الصادرات من القطاعات الصّناعيّة والزّراعيّة، وتلك التي يحوّلها المغتربون لذويهم باستثناء التّحاويل المتعلّقة بالأهداف الاستثماريّة.

ويضيف، بسبب ازدياد الشّحّ في السّيولة وفقدان النّقد المتداول في الأسواق اللّبنانيّة بكافّة العملات، بسبب عوامل التّوتّر الأمنيّ و السّياسيّ والاقتصاديّ والعقوبات الدّوليّة على سوريا، ومنع العلاقات الاقتصاديّة معها وتوقّف العجلة السّياحيّة إلى لبنان، يمكن استنتاج أسباب عدم كفاية أي تحاويل واردة إلى لبنان، إن كانت عبر المصارف أو عبر شركات تحويل الأموال، من أجل تأمين احتياطات النّقد، أو لتغطية كلفة الاستيراد وحتى تعزيز الإستثمار. ناهيك عن تلك الأموال التي بات يخزنها المواطن اللّبناني في منزله، تحوّطاً من أيّ تدهورٍ أو مخاطر أخرى قد تطرأ.

عطش السوق اللبناني للتحويلات

ويقول أبو الحسن، هذا الواقع يعكس مدى عطش السّوق اللّبناني إلى كلّ التّحاويل الواردة والسّيولة، من العملات الصّعبة من مختلف مصادر التّحويل. وعليه، إنّ هذا العطش سوف يؤدّي إلى زيادة حجم تلك التّحاويل في المستقبل، لأسباب عدّة، منها توفّر بعض الفرص الاستثماريّة الاستثنائيّة في مختلف القطاعات الاستثماريّة، مثل سوق العقار، والمحروقات والزراعة وغيرها، وحتى بسبب توجّه بعض المغتربين إلى سداد الدّيون المستحقة عليهم، بعدما وجدوا أن تراجع قيمة العملة المحليّة هو فرصة استثنائيّة قد لا تتكرّر لاحقاً.

وعليه، إنّ الحاجة إلى شركات تحويل الأموال هي حاجة استراتيجيّة وأساسيّة في الوقت الرّاهن، طالما أنّها تساهم إلى جانب المصارف بتزويد السّوق المحليّة، بما يمكن الحصول عليه من الواردات النّقدية بالعملات الصّعبة من الخارج، في ظلّ التّوترات الرّاهنة والإقفال التّامّ والحصار السّياسي على لبنان.

 

ناديا الحلاق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى