سياسة

اتجاهات لوصل ما انقطع بين عون والحريري

بري وابراهيم والفرزلي ينشطون هذا الأسبوع سرًّا وعلانيةً لفك الخلافات الرئاسية

خفوت حركة التواصل بين السياسيين، مع انخفاض المناعة اللبنانية المقطوعة الأنفاس بسبب جائحة كورونا التي تلتهم رئة اللّبنانيين وتُضيّق أنفاس الوطن، من المتوقع أن تحظى بجرعة “أوكسجين” تُعيد نبض الحركة السياسية في سبيل تأليف الحكومة المنتظرة.

ولو أنَّ عَقباتِ الحكومة وعراقيلَ تأليفِها ليست في أعلى سلّم اهتمام المواطنين، لكن مع عودة الرئيس المكلّف سعد الحريري من رحلته إلى الإمارات مساء الأحد، تسري معلومات أنَّ الرئيس نبيه بري سيقوم بوساطة دون إشهار، لمعالجة الخلاف المستجد بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري بعد “فيديو الأزمة” الشهير.

ودون الغرق في بحر الآمال الكبيرة، ودون ادّعاء القدرة على امتلاك مفاتيح فك أغلال التأليف الحكومي، سيعمل “سُعاة الخير” إلى تنشيط الاتصالات هذا الأسبوع على عدّة خطوط واحد يتولاه رئيس مجلس النواب نبيه برّي وآخر يتسلّمه المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم وخطٌ متروك لنائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي.

حماسة برّي، لاستئناف وساطته بعد خمود، جاءت بعد طلب جهات سياسية متعدِّدة القيام بمسعى لتقريب وجهات النظر وتذليل بعض الخلافات الحاصلة بين المعنيين. وبعدما لمس رئيس المجلس النيابي أنَّ ثمّة إمكانية للدخول على خط حلحلة النقاط المستعصية، أوفد نائبه إيلي الفرزلي لاستشراف الأجواء لدى التيّار الوطني الحرّ واستطلاع أجواء بيت الوسط.

خطوط بري وابراهيم التي تنشط هذا الأسبوع الطالع، نالت جرعة من التفاؤل بعد بيان المجلس السياسي للتيّار الوطني الحر، الذي عالج “فقدان الثقة” التي كشف عنها رئيس التيّار النائب جبران باسيل، بدعوة الحريري إلى الجلوس مجددًا مع رئيس الجمهورية لاستئناف المشاورات لولادة الحكومة. وعند اعتبار المصلحة العليا، يُركز بري وابراهيم ودائرة من الأصدقاء على ضرورة تلافي ارتدادات الخلافات بين الرئيسين وتجاوز ما حصل مؤخرًا في ظل الظروف غير الطبيعية، التي ترزح تحتها البلاد، وقبل الوصول إلى ما لا تُحمد عقباه.

بري يقوم بوساطة دون إشهار لمعالجة الخلاف المستجد بين عون والحريري

ورغم الحديث عن مساعي للحل، يجد عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب محمد خواجة، أن “صورة الحكومة غير واضحة المعالم حتى اليوم، والمشكلة هي في العلاقة السيئة بين فريق رئيس الجمهورية وباقي الأطراف، والمتضرر الرئيسي هو عهد الرئيس ميشال عون والمواطن طبعًا”. واعتبر خواجة أنّ “العوامل الشخصية هي التي تؤثر على عدم تشكيل الحكومة”، متسائلًا “هل اللّبناني مجبر على دفع ثمن سوء العلاقة بين الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل؟”.

أصداء بيت الوسط لا تزال تصرّ على ترديد لازمة أن “الحريري قال ما لديه ولن يتراجع عن المعايير الحكومية التي صاغها حسب دفتر شروط المبادرة الفرنسية ووفقًا لقناعاته. وأن الرئيس المكلّف مُدرك بأنّ أي حكومة غير حكومة اختصاصيين ولا حزبيين ستؤدي إلى انهيار البلد بنحوٍ كامل، وبالتالي لن يكون هناك حكومة تضمّ ثلثًا معطلًا لعون وفريقه أو لأي فريق آخر.

عضو كتلة “المستقبل” النائب نزيه نجم أكّد أن “الحريري مستعد للعودة بأية لحظة يقرر فيها الرئيس عون الاتصال به للتعاون وحلحلة عقدة الحكومة”. متيقنًا أن “المبادرة الفرنسية لم تسقط بعد وبنودها تشبه بنود مؤتمر سيدر والجهد الذي يقوم به الرئيس سعد الحريري هو للحفاظ عليها”.

ورأى نجم أن “الرئيس المكلف تحمل مسؤوليته وقدم تشكيلة من 18 وزيرًا وهو لن يعتذر ولن يتهرب من مسؤوليته”، داعيًا رئاسة الجمهورية إلى “الموافقة على تشكيلته ووضع مصلحة البلد فوق المصالح الشخصية”. ويتفق النائب سمير الجسر مع زميله نجم بأن الحريري قام بواجبه في التشكيل وقدّم رؤيته للرئيس معتبرًا أنَّ الحريري لم يترك ملف التأليف ولا يجلس منتظِرًا بل “يعمل على توظيف إمكاناته وعلاقاته لإبقاء لبنان على خارطة الاهتمام عربيًا وعالميًا، وهو يُجري اتصالات بحثًا عن دعم خطة إنقاذية وضعها لإخراج البلد من أزمته الإقتصادية والإجتماعية والمالية والصحية”!.

يُعول البطريرك الراعي على رئيس الجمهورية لكسر الجمود الحاصل

إذن، يستمرّ الحريري رئيسًا مكلّفًا بقوة التكليف النيابي ولا شيء يمنعه في الدستور من التجوّل بهذا التكليف إلى ما شاء الله، إلّا إذا ما اختار الاستقالة طوعيًا. فيما كل حركة الوساطات والمبادرات لن تقود إلى ما يرضي المشهد السياسي بل تحتاج إلى تسوية يقودها رئيس الجمهورية.

وفي هذا الإطار، توقعت مصادر مطّلعة أن تبث مطالبة البطريرك الماروني بشارة الراعي رئيس الجمهورية ميشال عون للمبادرة بإنهاء القطيعة مع الرئيس المكلف سعد الحريري، بعض الحرارة إلى الخطوط الباردة بين الرجلين وتُمهد ولو ببطء لعملية تشكيل الحكومة الجديدة.

دوافع البطريرك للتوجه بالكلام المباشر إلى رئيس الجمهورية تنبع بحكم مسؤوليته عن ضمان الدستور وحماية مندرجاته، بحسب مصادر متابعة. ويُعول البطريرك على رئيس الجمهورية لإزالة الموانع والالتباسات لكسر الجمود الحاصل جرّاء تمترس كل طرف خلف مواقفه، في زمن تتدهور فيه أحوال اللبنانيين والبلد نحو الأسوأ.

عقد “لقاء مصالحة شخصية تعيد الثقة بين عون والحريري”، هي الخطوة الضرورية لاستئناف الحراك الحكومي. وكان لافتًا في كلام البطريرك حسمه للخطاب الصاعد حول طبيعة النظام، مثبتًا قواعد “اتفاق الطائف” بقوله “في الدستور والميثاق الوطني المجدد في اتفاق الطائف، يتوجب على السلطة السياسية التقيد بنصوصه وبروحه، واستكمال تطبيقه، وتصويب ما اعوَّجّ منه في الممارسة، وتعزيز استقلالية القضاء كسلطة رابعة مستقلة، وحماية مؤسسة الجيش في كرامتها وهيبتها وكامل حقوقها”. وأضاف “إذا كانت لنا دولة تضع القانون فوق الجميع، وتحافظ على فصل الدين عن الدولة، ولا يستغل فيها السياسيون الطائفة والمذهب لأغراضهم السياسية، وإذا كانت لنا حكومة ولاء وزرائها للبنان فقط دون سواه، عندها نستطيع القول: إن فجرًا جديدًا أطل على لبنان، ولا حاجة لدعوة إلى تغيير النظام، بل للتقيد به”.

هل يستجيب عون لنداء البطريرك؟ وهل يلبّي الحريري الدعوة؟ أم يستقل طائرة أخرى في رحلة غياب جديدة؟ ستجيب الأيام المقبلة عن هذه الأسئلة بعد أن ينتفي سبب الانتظار غير المبرّر لبلورة المواقف وهو تنصيب الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن يوم الأربعاء المقبل.

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى