صحة

أجهزة تنفّس اصطناعي “صنع لبنان”… محاولة شُجاعة لم تنضج بعد!

تخطّى لبنان السيناريو الإيطالي، بعد أن فاقت إصابات كورونا قدرة المستشفيات الخاصة والعامة على استيعاب الحالات، وبدأ القطاع الصحي يُعاني من نقص كبير في طاقمه الطبي والتمريضي، مع استهداف كورونا عددًا كبيرًا من الممرّضين من جهة، ونتيجة هجرة الأطباء إلى الخارج بسبب الأزمة الاقتصادية من جهة أخرى، هذا بالإضافة إلى النقص الحاصل في المعدّات والأجهزة الطبية، وأوّلها أجهزة التنفّس الاصطناعي.

وعلى الرغم من خوض لبنان تحدي صناعة أجهزة تنفّس بأعلى التقنيات العالمية والصحية، فقد فضّل القطاع العام ووزارة الصحة استيراد الأجهزة من الخارج؛ إذ عرض النائب المستقيل نعمة افرام مبادرة إنتاج طارئ لأجهزة تنفّس اصطناعيّة صناعة وطنية، واستحداث غرف عناية فائقة ميدانيّة، إلا أنّ عرض افرام لم يلقَ الترحيب المطلوب من قِبل المعنيين.

لبنان البلد الوحيد في المنطقة الذي خاض تحدّي إنتاج أجهزة تنفّس اصطناعيّ

وفي هذا الإطار، يقول افرام في حديث لـ”أحوال”: “لكلّ من يسأل، نحن البلد الوحيد في المنطقة الذي خاض تحدّي إنتاج أجهزة تنفّس اصطناعيّة، ونجحنا بذلك بأعلى المواصفات والتقنيّات العالميّة لمواجهة كورونا، واضعين أكثر من 30 منها في الخدمة الفعليّة في المستشفيات في لبنان والخارج”، لافتًا إلى أنّه حذّر مرارًا من سقوط خطّ الدفاع الأوّل، وهو منع تفشّي الوباء، والوصول إلى النموذج الإيطاليّ، “وعرضتُ قبل ثمانية أشهر، في حال فقدان السيطرة، خطّ الدفاع الثاني على لجنة كورونا، واقترحتُ استحداث غرف عناية فائقة مركبّة ومصمّمة خصّيصاً، توضع في مواقف سيارات المستشفيات مع ممرّ موصول بها، إلا أن الطرح لم يلقَ آذانًا صاغية”.

أما اليوم، يضيف افرام، “فوصلنا إلى المحظور، لكن بفضل تحضيرات استباقيّة، لدينا القدرة على إنتاج طارئ لـ25 جهّاز تنفّس اصطناعي هذا الأسبوع، و25 جهّازاً آخراً في الأسبوع التالي، كما أكرّر اقتراحي باستحداث غرف عناية مركبّة ميدانيّة مجهّزة، كنت سبق أن قدّمت الخارطة الخاصة بها وملفّاً كاملاً بشأنها”.

من جهة أخرى، وعن كيفية تأمين المواد المطلوبة لصناعة الأجهزة، يوضح افرام لموقعنا: “انطلاقًا من خوفنا على تفاقم الوضح الصحي في لبنان، وبعد أن لاحظنا أن المعنيين لم يطلبوا أجهزة تنفس اصطناعي منذ أكثر من 4 أشهر، استوردنا المواد الأولية بـ”Fresh Dollar” وطبعًا كانت التكلفة عالية، على عكس الوزارة التي استوردت ماكينات تنفّس بـ”دولار مدعوم”، الأمر الذي يضعه افرام في عهدة القضاء، حيث بيعت تلك المعدّات للدولة اللبنانية بمبلغ يتراوح بين الـ33 ألف دولار والـ35 ألف دولار أميركي، “في الوقت الذي قمنا نحن ببيع هذه الأجهزة بـ10 آلاف دولار Fresh”.

عمل لجنة كورونا يرتكز على إصدار التوصيات فقط

بدوره، يردّ الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع، اللواء محمود الأسمر، على كلام افرام بالقول إنّ “عمل لجنة كورونا يرتكز على إصدار التوصيات فقط، وليس على تسويق أي منتج طبي”، لافتًا في حديث لـ”أحوال” إلى أنّ المشكلة لم تكن بعدم تجاوب أعضاء لجنة كورونا على طرح افرام، إنما بالعكس فقد “كنا أول من رحّب بالفكرة، إلا أن المعنيين في القطاع الصحي تخوفوا من شراء هذه المعدات، كون التصنيع كان لا يزال في بدايته، ما اعتبروا أن الأسعار المطروحة مرتفعة جدًا، في حين كان يجب على افرام رفع طرحه لوزارة الصحة، وعرضه على نقابة المستشفيات والتحدّث كذلك مع مستوردي الأجهزة الطبية”، وفقًا لـ”الأسمر”.

الأجهزة لم تحظَ على موافقة الـ FDA ولا الـ CE

من ناحية أخرى، تقول نقيبة مستوردي الأجهزة والأدوات الطبية، سلمى عاصي، في حديث لـ”أحوال”: “أبدينا تجاوبًا كبيرًا عندما طُرح الموضوع، كما تمّ إرسال فريقًا من المهندسين لتقديم المساعدات، إلا أنه لم تجرِ أي دراسة على تلك الأجهزة ولم تأتِ الموافقة من أي مستشفى جامعي على استخدامها”، موضحة أن استخدام تلك المعدّات دقيق جدًا، خصوصًا أنها تحلّ مكان رئة الإنسان، لذا يجب التأكد من سلامتها قبل المباشرة باستعمالها، “كما أن الأجهزة لم تحظَ على موافقة الـ Food and Drug Administration أو ما يُعرف بالـ FDA، وهو التصديق الأميركي، ولا حتى على موافقة الـEuropean certificate أو الـ CE، أي التصديق الأوروبي”، بحسب عاصي.

من جهة أخرى، تلفت نقيبة مستوردي الأجهزة والأدوات الطبية في حديثها لموقعنا، إلى أن النقابة تستورد من الخارج وتبيع المعدات إلى المستشفيات، وهو ما يجب على النائب المستقيل نعمة افرام أن يقوم به كونه يصنّع هذه المعدات، لذا عليه أن يبيعها للمستشفيات”.

لا يمكن لوزارة الصحة أن تتمّم شراء أجهزة طبية ما لم تحظَ على شهادة من معهد البحوث الصناعية

في المقابل، أعلن رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات، هشام فواز، في حديث لـ”أحوال” أنّ وزارة الصحة العامة أطلقت في آذار ونيسان الماضيين، استدراج عروض لشراء أجهزة تنفّس اصطناعي، عبر مناقصتين علنيتين تمّ نشر تفاصيلهما عبر الموقع الإلكتروني للوزارة، وذلك “بهدف ضمان الشفافية في عملية شراء هذه الأجهزة، التي حرصت الوزارة منذ ذلك الوقت على تأمينها إدراكًا للحاجة الماسة إليها، وفقًا لـ”فواز” الذي يشدّد على أن وزارة الصحة تلتزم معايير محددة، منصوصًا عليها في القرار 455/1 الذي ينظّم إدخال المواد الطبية واستعمالها في لبنان، حيث ينصّ القرار في أبرز بنوده على وجوب استحصال المواد على شهادة من معهد البحوث الصناعية.

من هنا، يتابع فوّاز قائلًا: “وبناء عليه، لا يمكن للوزارة أن تتمّم شراء أجهزة تحت شعار “تشجيع الصناعة اللبنانية”، إذا لم تكن هذه الأجهزة حائزة على الشهادة المذكورة التي تضمن جودة المواد الطبية لاستخدامها الآمن في علاج المرضى”.

وفي الختام، ربّما تمتلك الصناعة اللبنانية مقوّمات النجاح والصمود، لكن طريق النجاح يحتاج إلى اتباع “بروتوكولات” معينة، لا سيما في مجال التصنيع الطبي؛ ولعلّ محاولة “الصناعي نعمة افرام” لم تنضج بعد، إلا أنها خير دليل على قدرة الصناعيين اللبنانيين على خوض التحديات، وإثبات فعاليتهم وسط الأزمات.

باولا عطية

باولا عطية

كاتبة وصحافية لبنانية. تحمل شهادة الماجستير في الإعلام الاقتصادي والتنموي والإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. والإجازة في الصحافة والتواصل من جامعة الروح القدس الكسليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى