منوعات

هل يلعب الحريري “دورًا إقليميًا” كما يُشاع؟

شكّلت حركة رئيس الحكومة المكلّف، سعد الحريري، إيحاءات مفادها أنّه ومن خلال تنقلّاته العديدة، ربّما بات لاعبًا إقليميًا و”صلة وصل” بين بعض دول الخليج وتركيا.

في الكثير من الأحيان، يلعب “الوهم اللبناني” دورًا أكبر من “الواقعية السياسية” التي تفرض نفسها في نهاية المطاف؛ فعندما نتحدّث عن دور إقليمي لشخصيّة ما، نقصد أن تلك الشخصيّة قد نجحت في ملفات عديدة، ومن ثمّ انتقلت لترتيب ملفات المنطقّة، كالرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” مثلًا، الذي دخل في الملف اللبناني كوسيط له ثقله الدبلوماسي العالمي، أو كالدور الذي لعبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الوساطة بين دول الخليج والكيان الصهيوني. أما الإيحاء اللبناني، فقد ذهب بالبعض للحديث عن دور “وساطة بين السعودية وتركيا” في الإقليم، علمًا أن الحريري هو “رئيس حكومة مكلّف” منذ أشهر، دون أي تقدّم يُذكر.

هذا الحديث عن الدور الإقليمي، يعطي الحريري هامشًا من التحرّك بأريحية أو “لامبالاة” في الملف اللبناني، لكنّه -الحريري- لا يلعب أي دور إقليمي كما يُشاع، بل يمكن اعتبار أنه “يناور سياسيًا” لكسب موقف إقليمي مؤثر في الداخل اللبناني، يؤمّن له تشكيل حكومة ويُخفّف من حجم التعقيدات الواقعة بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون.

أما في الجانب الحكومي، فبات واضحًا أن التعقيدات باتت بحاجة لخرق قوي في جدار الصراع الحريري-العوني، وبالتالي السؤال البديل عن دور إقليمي لسعد الحريري هو: “هل يبحث الحريري عن دور إقليمي لكسر الحاجز العوني في تشكيل الحكومة؟”.

هذا الأمر قد يكون متاحًا في المرحلة الحالية، فبالرغم من عدم الإكتراث الخليجي بتيّار الحريري داخليًا، وبدء البحث عن “بديل سنّي” لدول الخليج في لبنان، يُمكننا القول إن سعد الحريري يتّجه نحو تقديم كامل أوراق اعتماده إلى الإمارات والسعودية، مقابل تحرّكهم لدى الجهات الدولية من أجل تأمين غطاء دولي لحكومة مفروضة على العهد وتياره في لبنان.

الواقعية السياسية التي تقبل هذا المنطق، قد تصطدم بعائقين أساسيين هما:

١- هل يملك الحريري أكثرية نيابية تسمح لأي مبادرة خارجية “مفروضة” أن تمرّ في مجلس النواب؟
٢- هل يستطيع الحريري تنفيذ كل ما يُطلب منه “خارجيًا” في الملف اللبناني؟

الإجابة على السؤال الأول جاهزة، وتقول إن الحريري “لا يملك أي شكل من أشكال الأكثرية العددية في البرلمان اللبناني”. أما الإجابة على السؤال الثاني، فهي واقعية وبسيطة: “من الصّعب أن يُنفّذ الحريري أي شيء يُطلب منه داخليًا، فالرُجل لم يستطع تقديم أي شيء حينما كان يمتلك “ثقلًا دستوريًا وازنًا” في المجلس النيابي، فكيف له أن يقدّم أي شيء في ظلّ الأزمات الحالية التي يعيشها؟”.

بات من المؤكّد أن لا دور للحريري في الإقليم اليوم، كما أنّه لم يعد يعيش “الأيام الخوالي” حينما كان يستطيع أن يُقرّر في لبنان، والأهم من ذلك هو أن “تيار الحريري” و”التيار العوني” يخوضان حرب إلغاء جديدة، قد تكون نهايتها شبيهة بسابقاتها، فيُلغى كلاهما من الساحة السياسية لسنوات.

من الواضح اليوم أن ما يُشاع عن دور إقليمي للحريري هو أمر غير واقعي، ولكن يمكننا أن نجزم بأنَّ ما يقوم به الحريري اليوم هو عملية بحث عن مخرج دولي لتشكيل حكومته من جهة، وتأمين غطاء دولي له في صراعه مع رئيس الجمهورية ميشال عون، من جهة أخرى.

زكريا حمودان

زكريا حمودان

كاتب وباحث لبناني. يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الصناعية من جامعة بلفور مونبليار للتكنولوجيا في فرنسا. مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء. رئيس التجمع الوطني للتنمية ونشر الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى