اقتصاد

العتمة الشاملة بعد رحيل “سوناطراك”.. ما هي الحلول المرصودة؟

غجر يؤكد الإعداد لإجراء مناقصة دولية لتأمين شركة بديلة ويستبعد العتمة الشاملة

يدخل لبنان مرحلة قاتمة على كلِّ الصعد، وفي حين أنّ نور الكهرباء مبتور منذ ما بعد انتهاء الحرب اللّبنانية وقيام الدولة ومؤسساتها، حيث أنّ الحكومات المتعاقبة صرفت مليارات الدولارات على مشاريع لم تنجح في تثبيت الطاقة حتى اليوم. ومع انتهاء العام 2020 المشؤوم عالميًا والكثيف السوداوية محليًا سيكون لبنان على موعد جديد مع العتمة حيث ينتهي عقد شركتي “سوناطراك” الجزائرية و”كي. بي. سي” الكويتية في 31 كانون الأوّل القادم بعد ثلاث سنوات من تجديد عقدها.

إدارياً، وبناءً على قرار مجلس الوزراء في 18 حزيران 2020، يُفترض بوزارة الطاقة والمياه وضع دفتر شروط تمهيدًا لإجراء مناقصة دولية لتأمين شركة بديلة عن “سوناطراك”. وهذا ما تقرّ وزارة الطاقة أنّها قامت به عبر تأكيد وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر القائل “إنّه تمّت صياغة دفتر الشروط وأُحيل إلى هيئة إدارة المناقصات التي سجّلت ملاحظات لا تتوافق مع الوزارة. ويكشف غجر أنّ الوزارة أخذت جزءًا من الملاحظات وليس كلّها، معتمدةً على تلك التي لا تتضارب مع دفتر توصيات المشغّلين والمصنّعين والاستشاريين. وإذا بقي ثمّة اشتباك بين الوزارة وإدارة المناقصات فإنّ الوزير سيلجأ إلى مجلس الوزراء لحسم الخلاف.

ماذا لو تأخّر البت في إقرار عقود المناقصات؟ هل يكون مصير اللّبنانيين الجلوس تحت سقف العتمة الشاملة؟ يردّد وزير الطاقة استبعاده لهذه الفرضيّة، فللبنان كميّات من الفيول لم يستلمها بعد. وفي حال عدم التجديد مع “سوناطراك” يمكن أن يدفع لبنان قيمة الكميات المتوجّبة بحسب العقد وبالتالي سيتوفر مخزونًا من الفيول أويل يغطي احتياجات عام آخر أو ستة أشهر على الأقل، بانتظار كلمة الفصل لإدارة المناقصات وملاحظاتها.

أسابيع قليلة تفصل لبنان عن يوم 31 كانون الأوّل 2020، موعد انتهاء صلاحية العقد الموقّع مع الشركة الجزائرية لشراء الفيول أويل لصالح مؤسسة كهرباء لبنان ضمن فئتي Grade A وGrade B. وبغياب المناقصة ولتفادي العتمة قد تلجأ وزارة الطاقة إلى ثلاثة سيناريوهات:

أولاً: “السبوت كارغو” Spot Cargo أي شراء الفيول “غبّ الطلب” من الشحنات المتوفرة في البحر الأبيض المتوسط. وهذه الخطوة لها محاذير قانونية بحيث لا تخضع للرقابة كونها تعتبر اتفاقًا ثنائيًا بين طرفين دون التدقيق في مواصفات الفيول المشترى. وهذا ما يطلب الخبراء والقانونيون تفاديه لأهمية المرور بدائرة المناقصات، حتى لا تتكرّر تجربة معمل دير عمار الذي تحوّل من EPC على BOT بدون اللّجوء لإدارة المناقصات مناقصة!

ثانياً: استبدال “الفيول أويل” بالغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء وهو متوفّر في دول الخليج والعراق ومصر والجزائر وحتى سوريا، ويخفض بالتالي فاتورة انتاج الكهرباء ويوفّر أمولًا لخزينة الدولة.

ثالثاً: اللّجوء إلى “فدرلة” الكهرباء على غرار تجربة “كهرباء زحلة” حيث يُسمح للبلديات بإنتاج الكهرباء وتشغيل المولدات وجباية التعرفة من المواطنين بفواتير تغطي أعمال الصيانة. وهو اقتراح عملي يخفّف الأعباء على الدولة بانتظار الخطة الإصلاحية الشاملة للكهرباء. وهذا الاقتراح قدّمه عدد من خبراء الطاقة، من بينهم الخبيرة في شؤون ​الطاقة​ المحامية كريستينا أبي حيدر، للخروج من المراوحة في موضوع معالجة الكهرباء وتخفيف أكلاف الحلول الآنية.

وفي سياق متصل، تفيد مصادر متابعة أنّه في النقاش حول إصلاح قطاع الكهرباء فإن رئيس المجلس النيابي نبيه بري أصر على اعتماد لامركزية الحل وإنشاء معامل انتاج للتيار الكهربائي في كلّ محافظة وحتى قضاء، للتوفير في خطوط النقل التي تتطلّب أموالًا طائلةً.

بالرغم من مروحة الخيارات المتعدّدة والعملية والمنخفضة الكلفة إلّا أنّ مصادر متابعة لملفات الطاقة والعارفون بالإدارة اللّبنانية المحترفة لقرارات “الربع الساعة الأخيرة”، يرجحون أن تُجري الوزارة مناقصة من خارج إدارة المناقصات مع مراقبة لاحقة من ديوان المحاسبة.

وبالحديث عن عقود شراء كميات “الفيول أويل” لا بدّ من الإشارة إلى ما يتمّ ترويجه حول رفع المصرف المركزي الدعم عنه، الأمر الذي ينفيه وزير الطاقة ريمون غجر دائماً، مؤكّدًا تأمين المبالغ المطلوبة بالدولار، وهي حوالي 1500 مليار ليرة، وذلك وفق سعر الصرف الرسمي.

تختلف إدارة المناقصات مع اتجاهات الوزارة للحلول وهي بحسب رئيس إدارة المناقصات جان العلية الذي عقد مؤتمرًا استثنائيًا أثار خلاله الخلافات الدائرة بين الإدارة والوزارة حول واصفات وشروط المناقصات، تكمن في دفتر شروط الوزارة الذي يُقصي الشركات المحلية عن المشاركة في المناقصات والفوز بعقود تشغيلية بأفضل الأسعار.

في زمن “المبادرة الفرنسية” المعلّقة على خطوط التجاذب السياسي، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه المبادرة تضمّنت في بنودها الإصلاحية ورقة تتعلّق بإصلاح قطاع الكهرباء وربطت الورقة التي أعدّها فريق الرئيس الفرنسي بين تنفيذ هذه الخطّة وتقديم مساعدات وهبات للبنان. والورقة الفرنسية نسفت الخطة التي أعلنها رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري في شهر نيسان من العام 2019 قبل أن تنقلب الأوضاع في لبنان. يومها قال الحريري أنّ “الخطة سترضي الشعب اللّبناني لأنّها تؤمن له كهرباء على مدى 24 ساعة، وفيها تخفيض للعجز في الموازنة” وأضاف “الخطة واضحة ولبنان يقوم بخطوات حقيقية للإصلاح في هذا المجال تنفيذًا لقرارات مؤتمر “سيدر””. لكن لا الخطة انطلقت ولا الحكومة برئاسة الحريري عاشت طويلًا فسقطت على وقع الاحتجاجات الشعبية في تشرين الأوّل من العام الماضي ولا يزال لبنان تحت سيف المعاناة. وبين النور والعتمة مع مطلع العام الجديد ثمّة معطيات يجب توافرها وهي تبدأ بتشكيل حكومة تتابع القرارات المصيرية اللّبنانيين الطبيعي وبوقف شحّ الدولار.

 

 

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى