منوعات

واقع محطات التكرير في اللّيطاني… هدر وفساد وصفر معالجة!

لا من يقيم اعتبارًا لصحة المواطنين أبعد من معالجة المرض، أمّا أسبابه فلا قيمة لها بعُرفِ أولياء الأمر، ولا نتجنَّـى على من توالوا على مواقع المسؤولية وائتمنوا على مصير الناس، فلبنان محكوم تاريخيًا بالتلوّث، من النهر إلى البحر، من الجبل إلى السهل، شمالًا وجنوبًا، ولا زال التلوّث مرادفًا لحياتنا اليومية، من الصرف الصحي إلى النفايات، من التربة إلى المياه والهواء، والمواطن وحده ضحية، أما الجّلاد فواحد وإن تغيّرت الأسماء.

وما يحيلنا إلى فضيحة جديدة، يتمثل اليوم في مـا هو قائم على مستوى نهر اللّيطاني ، الكارثة مستمرّة، التلوّث باقٍ وإلى ازدياد، أمّا المعالجات فمؤجّلة، هذا هو حال المناطق والقرى والبلدات القائمة على ضفتي نهر اللّيطاني ، فبالرغم من رصد اعتمادات لصالح مشاريع وأعمال في منطقة حوض نهر اللّيطاني  من النبع إلى المصب بقيمة 1100 مليار ليرة لبنانية، والمخصّص منها اعتمادات بقيمة 1068 مليار ليرة لقطاع الصرف الصحّي في موازنة وزارة الطاقة والمياه ومجلس الإنماء والإعمار، إلّا أنّ مشروعًا واحدًا لم يبصر النور إلى الآن.

والفضيحة في تجلٍّ آخر، تبدو عصيّة على التفسير، ذلك أنّ مدّة المشروع سبع سنوات، وقد أهدرت الدولة أربع سنوات دون أن يرفَّ جفنُ مسؤول، وكأنّ مجلس الإنماء والإعمار شريك في الجريمة، ولا توصيف آخر، فالتلوث كارثة بيئية وصحية والتغاضي عنه جريمة لا يمكن تبريها وتسويغها تحت أيّ مبرّر.

 

الحوض الأعلى نهر اللّيطاني

وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المادّة الأولى من القانون رقم 63 تاريخ 27/10/2016 حدّدت المشاريع اللّازمة لمكافحة التلوّث في منطقة حوض نهر اللّيطاني من النبع إلى المصب، بقيمة مجموعها (1100 مليار ليرة).

وفي مـا يلي جدول يتضمن: تقييم الواقع الحالي لمنظومة الصرف الصحّي في الحوض الأعلى لنهر اللّيطاني:

 

 

مشاريع لم تنفّذ!

المشكلة تكمن في أنّه إلى الآن، وبالرغم من أنّ مدّة تنفيذ هذه الأعمال حُدِّدت خلال سبع سنوات، إلّا أنّه لم يُنفّذ أيٌّ من هذه المشاريع، لا بل ولم يعالج متر مكعب واحد من الصرف الصحّي، رغم مضي أربع سنوات على صرف الاعتمادات اللّازمة للوزارة ولـ”مجلس الإنماء والإعمار”.

حيال ذلك، كيف يمكن رفع التلوّث عن النهر وروافده؟ وكيف ستواجه المصلحة الوطنية لنهر اللّيطاني  واقع الحال؟ وماذا عن تبعات التلوّث وهي تطاول مناطق ممتدّة من البقاع الشمالي والأوسط والغربي مرورًا بأقضية الجنوب، وصولًا إلى البحر الذي يتلقى أيضًا الملوّثات من كلّ صنفٍ ونوع؟

 

 

علوية: الأموال المنهوبة

وفي إحاطة للأزمة المستمرّة، أشار رئيس المصلحة الوطنيّة لنهر اللّيطاني  سامي علوية لـ”أحوال” إلى أنّ “معالجة الصرف الصحّي في الحوض الأعلى للنهر تواجه تحديّات توقف التشغيل وتأخّر التنفيذ”.

وقال: “بعد سلسلة مراجعات ومراسلات وجهتها المصلحة الوطنية لنهر اللّيطاني  بموجب مهام الحوكمة وتنسيق الجهود المخوّلة لها حول تطبيق القانون رقم 63 تاريخ 27/10/2016 (المتعلّق بتخصيص اعتمادات لتنفيذ بعض مشاريع وأعمال الاستملاك العائدة لها في منطقة حوض نهر اللّيطاني  من النبع إلى المصب بقيمة 1100 مليار ليرة لبنانية والمخصّص منها اعتمادات بقيمة 1068 مليار ليرة لقطاع الصرف الصحّي في موازنة وزارة الطاقة والمياه ومجلس الإنماء والإعمار) وحول تطبيق القانون 64 الصادر في 3 تشرين الثاني عام 2016 المتعلّق بالموافقة على اتفاقية قرض لمشروع “الحدّ من تلوّث بحيرة القرعون” بقيمة 55 مليون دولار أكثر من 50 مليون دولار منها مخصّص لقطاع الصرفي، لم تتقدّم الأشغال ولم تظهر أي جهود لا في معالجة مياه الصرف الصحّي ولا في بدء الأشغال لتنفيذ المشاريع ضمن المهل الزمنية، ولم يتبيّن أيضًا مصير الأموال والمليارات التي يبدو أنّها ضاعت مع الأموال المنهوبة”.

ولفت علوية إلى أنّ “المجلس النيابي أقرّ القانون رقم 63 تاريخ 27/10/2016 المتضمّن (تخصيص اعتمادات لتنفيذ بعض مشاريع وأعمال الاستملاك العائدة لها في منطقة حوض نهر اللّيطاني  من النبع إلى المصب)، على أن تنفّذ هذه الأعمال خلال سبع سنوات تنتهي في العام 2023″، وأشار إلى “القانون رقم 63 تاريخ 27/10/2016 تضمّن تخصيص اعتماد عقد إجمالي قدره 1100 مليار ليرة لبنانية للقيام بالمشاريع اللّازمة لمكافحة التلوّث في منطقة حوض نهر اللّيطاني  من النبع إلى المصب وأعمال الاستملاك العائدة لها، على أن تنفّذ المشاريع خلال مدّة سبع سنوات”.

 

تلوّث بحيرة القرعون

وأكّد علوية أن أيًّا من “هذه المشاريع لم ينفّذ رغم مضي أربع سنوات على صرف الاعتمادات للوزارة ولمجلس الإنماء والإعمار”، لافتًا إلى أنّه “بتاريخ 2 أيلول 2016 تمّ توقيع اتفاقية القرض الخاصة بمشروع (الحد من تلوث بحيرة القرعون) بين الجمهورية اللّبنانية ممثلة بمجلس الإنماء والإعمار والبنك الدولي للإنشاء والتعمير بحسب القانون رقم 64/2016 وبقيمة 55 مليون دولار أميركي وتم إطلاق أعمال المشروع بتاريخ 13/12/2016 على أن تنتهي الأعمال بتاريخ 30/07/2023”.

 

وأضاف: “كان هدف المشروع المعلن هو (التخفيف من كميّة مياه الصرف الصحي غير المعالج التي يتمّ تصريفها في النهر وتحسين إدارة التلوّث حول بحيرة القرعون)، وقد نبّهت المصلحة الوطنية لنهر اللّيطاني في سلسلة مراسلات سابقة إلى ضرورة تحسين إدارة المشروع المذكور وتسريع وتيرة الأعمال، لا سيّما لجهة مدّ شبكات الصرف الصحّي وربط الشبكات بالمحطات الرئيسية، بالإضافة إلى الحدّ من الإسراف في الإنفاق غير المجدي على الرواتب للمستشارين والخبراء والمحظيين، خاصة وأنّه قد تبيّن أنّ معظم هؤلاء كان يتمّ تعيينهم لسبب وحيد هو تأمين مصدر دخل لهم بالعملة الأجنبية وقرّبهم من بعض الشركاء في إدارة المشروع، دون أن يؤدي ذلك إلى تحسين في إدارة المشروع أو التخفيف من التلوّث أو التقدّم في تنفيذ المشاريع. وإزاء التأخير والتعثّر الحاصل على تنفيذ برنامج الأعمال المتعلقة بالمصلحة الوطنية لنهر اللّيطاني”.

 

 

وضع كارثي

وأردف علوية: “نظرًا لاستمرار تفاقم الوضع الكارثي للتلوّث في منطقة الحوض الأعلى لنهر اللّيطاني، عمدت المصلحة إلى المباشرة بتنفيذ الأعمال المقرّرة في المشروع المذكور سواء بالاعتماد على تمويلها الداخلي أو على جهات مانحة، وحيث أن الأعمال المقرّرة بالمشروع الخاصة بالمصلحة الوطنية لنهر اللّيطاني  قد تمّ تنفيذها، بالإضافة إلى قيام المصلحة بجهودها الذاتية بسلسلة حملات لإزالة التعديات عن مجرى نهر اللّيطاني، وبسلسلة إجراءات وتدابير هدفت لوقف مصادر التلوّث الصناعي المتدفقة إلى نهر اللّيطاني  وبحيرة القرعون، على نحو يلتقي مع أهداف المشروع الحقيقية، وبالنظر إلى استمرار التعثر الحاصل في تنفيذ المشروع على نحو يُخشى أن يرتّب مسؤوليات قانونية ومعنوية على المصلحة الوطنية لنهر اللّيطاني، وبالنظر إلى إقرار المجلس النيابي اللّبناني تعديلات تشريعية على قانون المياه بموجب القانون رقم 192 تاريخ 16/10/2020 الذي يعطي صلاحيات واسعة للمصلحة في ضبط التعديات وملاحقتها مع اعطاء مستخدميها صفة الضابطة العدلية، على نحو بات بالإمكان بموجبه إلزام الملوّثين بتأهيل الوسط البيئي”.

ورأى أن كل ذلك “يوجب التفرّغ لهذه المهام بعيدًا عن الاجتماعات والتجارب وإدارة اللّجان والانشغال بمتابعة الاستشاريين والخبراء العاملين بعيدًا عن الواقع وعن أهداف المشروع ومهله الزمنية”، وقال: “بهدف تحسين أداء المشروع والحدّ من تعثره وصيانة للمال العام وتحسين نوعية المياه في بحيرة القرعون، طلبت المصلحة تحويل الميزانية الخاصة بالمصلحة الوطنية لنهر اللّيطاني  ضمن مشروع (الحدّ من تلوث بحيرة القرعون) المنصوص عليه في اتفاقية القرض بقيمة 55 مليون دولار أميركي بين الجمهورية اللّبنانية ممثلة بمجلس الإنماء والإعمار والبنك الدّولي للإنشاء والتعمير – القانون رقم 64/2016 لتنفيذ أعمال أخرى خصوصًا فيما يتعلّق بإنشاء المزيد من شبكات الصرف الصحي، وربط الشبكات التي تصبّ في نهر اللّيطاني  بمحطات التكرير العاملة في زحلة وجب جنين وصغبين”.

وختم علوية: “إن مشكلة معالجة الصرف الصحّي في الحوض الأعلى لنهر اللّيطاني  باتت مشكلة تستوجب المعالجة، في ظلّ التخبط الحاصل وتعدّد المرجعية المسؤولة عن القطاع ونفاد الأموال وانعدام الجباية وتوقف المساهمات من وزارة المالية إلى مؤسسة مياه البقاع وعدم تحويل الاعتمادات إلى مجلس الإنماء والإعمار، وهو إجراء قد يستغرق مدّة تتجاوز مدّة العقد مع الشركة المشغّلة”.

 

فاديا جمعة

فاديا جمعة

صحافية وناشطة بيئية واجتماعية لبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى